آراء وتحليلات

القمة العربية.. إخفاق آخر للنظام الرسمي العربي

محمد عيسى

بعد توقف للقمم العربية دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا؛ تعود الدورة الحادية والثلاثون للانعقاد في الجزائر. وبالتزامن مع الذكرى الثامنة والستين لانطلاق ثورة الفاتح  من نوفمبر/ تشرين الثاني؛ احتضنت العاصمة الجزائرية في يومي 1 و2 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي دورة انعقاد عادية، غاب عنها قادة بارزون، يأتي على رأسهم قادة السعودية والإمارات والكويت وملك المغرب، وحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقادة عرب آخرون، وشارك في افتتاحها الأمين العام الأمم المتحدة، والأمين العام للاتحاد الإفريقي والرئيس الروسي بوتين من خلال رسالة غزل للقمة، أراد من خلالها أن يستنهض دور المجموعة العربية للمساهمة الفاعلة في كسر ما سمي المعادلة الدولية الظالمة. وفيما يعد نصف نجاح ونصف فشل لأعمالها؛ كان الرئيس الجزائري عبد المجيد نبوت ومنذ وصوله إلى الحكم في 2019 يُعِدُّ لها بُغية توظيفها لإحياء دور فاعل للجزائر في السياسة الدولية.

ويصادف التئام القمة العربية في الجزائر ليكون لها وقعاً خاصاً، في وقت تزداد فيه أهمية الجزائر كمصدر محتمل لسد النقص الحاصل في توريدات الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، مضافاً إليه موقعها الجغرافي الذي يُسهّل وصول الغاز إلى القارة، ودون أن تتجاهل ومع الأخذ بعين الاعتبار علاقة الجزائر التاريخية مع دولة الاتحاد الروسي، في لحظة يشهد فيها الوضع العالمي حالة من التوتر والاستقطاب بالغة الحساسية والدقة.

كما يأتي انعقاد القمة تحت شعار “لم الشمل والأمن الغذائي العربي، ثم رفض التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية” بعد أكثر من عقد من ترنّح العمل العربي المشترك أو حتى انحساره، يأتي ليعطي لها بُعداً خاصاً وليوجّه رسائل في اتجاهات عديدة.

وفي التحضير لجدول أعمال القمة وكما في الإعداد لنص البيان الختامي في اجتماع وزراء الخارجية العرب، ثمة قضايا كانت موضع اتفاق، كالموقف من القضية الفلسطينية، وكما جرت العادة في القمم السابقة. وقد برزت قضايا خلافية عديدة، كان على رأسها اقتراح دعوة سوريا لحضور أعمال القمة، الاقتراح الذي عارضته بشكل رئيسي قطر والسعودية ومصر، وذلك استجابة لضغوط دولية ترتبط بنظرة هذه الدول لجمود العملية السياسية في الملف السوري، وضرورة تنفيذ القرار الدولي رقم 2254. وكيلا تترك هذه المسألة تداعياتها على مسار القمة؛ فقد جرى استبعاد هذا البند من جدول الأعمال، بعد وساطة من الجزائر بتأجيل البحث بهذا المقترح وقبول من دمشق نفسها بألا يجري التطرق لهذا الموضوع في أعمال هذه الدورة. وقد جاء هذا الموقف في رسالة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى وزير خارجية الجزائر.

كما برزت قضية خلافية أخرى، دارت حول تسمية الدول الإقليمية في كل من تركيا وإيران بالاسم الصريح في البيان الختامي، كدول متدخلة بالشؤون الداخلية العربية، وكذلك نقاط أخرى تتعلق بقضية الصحراء العربية والخلاف مع المغرب، وقد مالت الجزائر إلى تبني موقف متوازن في البيان الختامي، وخاصة في المسألة الأوكرانية، ودون الانحياز إلى أي طرف.

أما في المجريات وفي التفاصيل؛ فقد أفردت القمة اهتماماً خاصاً بالمسألة الفلسطينية، وكانت الجزائر قد احتضنت لقاء مصالحة بين فتح وحماس عشية القمة، وسعت الى تقديمه كواحد من أهم انجازات القمة. ومما يجدر ذكره في هذا السياق، هو النداء المشترك الذي وجهته فتح وحماس إلى القادة العرب والداعي إلى تبني ودعم إعلان لمّ الشمل الفلسطيني واعتماده في البيان المشترك. ولأن أربع دول عربية كانت من بينها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان قد أجرت تطبيعا مع إسرائيل، بعد آخر قمة عربية عُقِدَت في تونس؛ فإن قمة الجزائر أعادت التأكيد على المبادرة العربية للسلام، والتي جرى تبنيها في قمة بيروت عام 2002 والقائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام، والتي تحظر إي تطبيع مع إسرائيل قبل إعطاء الحق للفلسطينيين وتبني حل الدولتين.

وحول القضية الفلسطينية أيضاً؛ أعادت القمة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير   أو حقه في الحصول على التعويض، وأدانت السلوك الإسرائيلي في ممارسة الاغتيالات في غزة، كما دعت إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والعودة إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 إضافة إلى وقف تهويد القدس وإجراء التغيير الديمغرافي فيها، وكذلك تبنت القمة تشجيع ودعم دولة فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة.

وفي الشأن العربي العام؛ تداولت القمة في الأزمات التي تعانيها شعوب كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق، وتوقفت عند الدور إلي تلعبه الدول الإقليمية والأطراف الدولية الأخرى في تعقيد هذه الأزمات وتأخير حلها، ودعت في الوقت نفسه إلى اعتماد مبادرات وحلول عربية فعالة في معالجة هذه الأزمات، بعيداً عن أي تدخل إقليمي أو دولي، وبما يتفق مع القرارات الدولية ذات الصلة. وعلى نفس النحو؛ اهتمت القمة بمسألة الأمن الغذائي العربي وبالتحديات الاقتصادية التي أفرزتها في هذا المجال الحرب الأوكرانية الروسية، بالتزامن مع أزمة الطاقة وغيرها من التحديات التي تتصل بالبيئة والمناخ. وعليه فقد دعت إلى استحداث وتطوير مشروع التكامل الاقتصادي العربي، وصولاً إلى منطقة تجارة حرة عربية.

وحول العمل العربي المشترك وضرورة تطويره؛ فقد تبنّى المجتمعون وثمّنوا ورقة العمل الذي قدمها الرئيس الجزائري عبد المجيد نبوت، والتي خصص جزءاً رئيسياً من اهتمامها للعناية بجيل الشباب ومتطلبات التنمية وضرورة مواجهة الإرهاب، وكذلك دعم نشاطات بعض الدول في التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا. وفيما يتصل بالأمن الإقليمي؛ جرت المطالبة بمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

أما حول الوضع العالمي وتطورات الحرب الأوكرانية الروسية، فقد جرى التوجه إلى دعم مجموعة الاتصال الوزارية والتي تسعى إلى طرح مبادرات دولية من شأنها الركون إلى الحلول السلمية للنزاع، والابتعاد عن إثارة التوترات والنزاعات بين الدول.

وبالاعتماد على ما تقدم، ورغم أن سقف التوقعات المتعلقة بنتائج هذه القمة وما سبقها من قمم، كان على الدوام متواضعاً، لأسباب عديدة تتعلق بطبيعة النظام العربي الرسمي وببعده عن القيم الديمقراطية ومصالح الجماهير، ويتعلق أيضاً بميثاق الجامعة نفسه، الذي كان عليه ان يتطور ليلاقي التحديات والمعضلات المستجدة، إضافة إلى الانشطارات وتعدد الولاءات والتبعية في المحاور الدولية المتصارعة.

إلا أنه من الموضوعية بمكان النظر إلى القمة الأخيرة من زاوية مختلفة قليلاً. ففي لحظة غريبة ملؤها الدهشة وتكاد تكون سوريالية تخيم ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، فتُستباح خلالها المنطقة العربية بكل مقدَّراتها ودولها ويرتهن مصيرها إلى يد قوى إقليمية ثلاث هي تركيا وإيران فإسرائيل؛ في هذا الجو من الغياب المزمن للحالة العربية، قد يكون للقمة وقع خاص، وقد تحمل بعض الرسائل لقوى الاقليم المتمادية في الاستهتار بمصير شعوبها.

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..

زر الذهاب إلى الأعلى