آراء وتحليلات

صانع الدراما السورية يترجل عن جواده.. تعرف على أبرز محطات الراحل هشام شربتجي

كاتيا الحسامي

رحل عن عالمنا في السادس عشر من أيار لعام 2023 المخرج الكبير هشام شربتجي، وهو من أبرز مؤسسي نهضة الدراما السورية، عمَدَ خلال سنوات طويلة إلى تقديم أجمل الحكايات الدرامية السورية التي مازالت خالدة حتى تاريخنا هذا وذلك على مدار أربعين عاماً، وهناك محطات مهمة في تاريخ الراحل جعلت الجمهور العربي من المشرق إلى المغرب يتعلق بأعماله ويتابعها حتى اليوم لهذه الأسباب:

البدايات:

كان شربتجي مخرجاً إذاعياً مرموقاً، يعمل في إذاعة الجمهورية العربية السورية، لكن الفنان الكبير ياسر العظمة قرر أن يخرجه من دائرة السمع إلى دائرة الضوء وذلك بعد أن اقترح عليه مشروع مرايا الذي كان سيبصر النور عام 1982 ورغم خوف شربتجي من التجربة الأولى إلا أن تشجيع العظمة جعل من الخطوة هذه مباركة ومهمة فقام شربتجي بإخراج مرايا 82، 84، 86، 88، 91

ليكون من مؤسسي هذه السلسلة التي امتدت لعقود ودخلت كل بيت عربي وتعاد لوحاته حتى اليوم، ومن هذا العمل انطلق شربتجي نحو عالم الدراما التلفزيونية لا سيما الأعمال الكوميدية التي أطلق معها نجوماً أصبحوا اليوم أعلاماً سوريين مهمين

وقد كانت مرايا نقطة تحول مهمة في حياة شربتجي قدمها لكوميديا لطيفة تناسب الواقع دون خدش أو إساءة، ليكون الواقع المُعاش كما هو بأسلوب كوميدي 

سلسلة النجوم:

عيلة خمس نجوم، ست نجوم، سبع نجوم، ثمان نجوم.

هي أعمال خالدة حتى اليوم في ذاكرة الناس، بدأت مع الكاتب حكم البابا ثم أكمل السلسلة الدكتور ممدوح حمادة، ليصنع هشام منها حالة كوميدية خاصة أثيرة مازالت حتى اليوم وكانت صديقة هذه النجوم القديرة سامية الجزائري التي لعبت دور البطولة في كل هذه السلسلة بشخصيات مختلفة لكنها نجحت في كل مرة بتقديم حالة كوميدية رائعة مع نخبة من نجوم سوريا أبرزهم حسام تحسين بيك، باسم ياخور، أيمن رضا

واعتمدت هذه السلسلة على الكوميديا العفوية بدون ابتذال أو إساءة ضمن مواقف مضحكة لا تخلو من المبالغة لكنها بنفس الوقت أضحكت كثيرين

الشراكة مع أيمن زيدان:

لعل أرشيف الفنان أيمن زيدان الأبرز كان من خلال تقديم أعمال كوميدية اشتهر فيها مع المخرج هشام شربتجي، فصنع الاثنان مسلسل يوميات جميل وهناء الشهير الذي جال الوطن العربي برمّته وأصبح من أبرز المسلسلات الخالدة في تاريخ الكوميديا السورية، وسبقه أيضاً مسلسل يوميات مدير عام الذي تحدث عن الفساد الإداري في مؤسسات الدولة ومحاولة حله من قبل مدير نزيه لكن تبقى الحكاية في النهاية “عوجا”.

أيضاً كان مسلسل بطل من هذا الزمان نقلة مهمة في تاريخ أيمن زيدان الفني وتبع فيما بعد مسلسل أنت عمري الأقل وهجاً لكن بقيت هذه الشراكة المهمة بين زيدان وشربتجي حديث الناس حتى اليوم، وبقيت هذه الأعمال متابعة بكل شغف ومحبة ويضحك الناس فيها عند كل مرة يشاهدونها فيها 

كوميديا المكان الواحد:

بالإضافة لسلسلة عائلات النجوم، كانت أغلب أعمال شربتجي الكوميدية تدور في مكان واحد “استديو داخلي” وهو من ابتدع هذه الفكرة في الدراما السورية وتعتبر من أصعب أنواع الأعمال كون الشخصيات والحكاية كلها يجب أن تكون داخل مكان واحد دون أي تصوير خارجي لكن شربتجي جعل من هذا العالم الصغير عالماً أكبر، فشاهدنا بنات أكريكوز ماذا يفعلنَ في بيتهن من مواقف كوميدية، كذلك شباب “قلة ذوق وكثرة غلبة” الثلاثة الذين يسعون لعدم تزويج والدتهم بعد وفاة أمهم، بالإضافة لمسلسل أزمة عائلية آخر ما قدمه الراحل وكل هذا في مكان واحد فقط ليستطيع شربتجي دوناً عن غيره أن يقدم حكايات ثقيلة كوميدية رائعة في مساحة محدودة لكنها كبيرة جداً في كل ما ترويه من قصص وشخصيات 

الأعمال الاجتماعية:

رغم شهرته في الأعمال الكوميدية إلا أن المخرج هشام شربتجي قدم أيضاً أعمالاً اجتماعية وكانت من أجمل ما أنتجته الدراما السورية، وأبرزها “أسرار المدينة، أيامنا الحلوة، رجال تحت الطربوش، صراع الزمن” وكل هذه الأعمال تُدرَج اليوم تحت قائمة أهم الأعمال السورية التي برزت في بداية الألفينات، فعدا عن الحكايات المهمة التي قُدمت استطاع شربتجي تصوير أهل مدينة دمشق بكافة طبقاتهم وشرائحهم المختلفة من الفقيرة إلى الغنية وما يجري في كواليس حياتهم بكل صدق دون مواربة فكان عنوان أعماله العمق والمصداقية والمتعة

اكتشاف النجوم:

على يد المخرج شربتجي اكتشفنا أهم النجوم الذين انطلقوا من مسلسلاته نحو عالم الشهرة، فعَرفنا من خلاله أهمية ياسر العظمة، واكتشفنا أمل عرفة من خلال مسلسل عيلة خمس نجوم، واستطاع أن يبرز الكوميديا الساخرة الساحرة التي تتمتع بها سامية الجزائري، وعرفَنا أكثر على شكران مرتجى، باسم ياخور، أيمن رضا من خلال سلسلة عائلات النجوم، وكنا نشاهد كاريس بشار لأول مرة كبطلة في عيلة ست نجوم وتعرفنا على وجه جديد بارز في الدراما السورية ومنح باسل خياط دور العمر في مسلسل أسرار المدينة وتعرفت الناس من خلاله عليه، كذلك قصي خولي الذي أحبته الناس من خلال “قلة ذوق و كترة غلبة”، وقد كان اكتشاف شربتجي مهماً لأن كل هذه الأسماء نشأت على يده وأصبحوا اليوم من أهم نجوم العالم العربي وليس في سوريا فقط

رحل هشام شربتجي تاركاً كل هذه المحطات المهمة والإرث الدرامي الزاخر الذي جعلنا نتعلق فيه وبأعماله فعلاً، وإلى اليوم تبقى هذه الأعمال أثيرة خالدة في ذاكرة الناس ويقارنونها بكل عمل جديد لكن في النهاية تفوز أعمال هشام شربتجي على كل مسلسل يُنتَج الآن، والسبب ببساطة هو العفوية والصدق وخفة الدم والقرب من الواقع التي كان يقدمها في أعماله

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..

زر الذهاب إلى الأعلى