تقارير

جمع النفايات.. عمل محفوف بالمخاطر لأطفال في إدلب

يلجأ الكثير من الأطفال في إدلب ممن يرزحون تحت خط الفقر إلى العمل في نبش القمامة لجمع النايلون والخردوات بهدف بيعها والاستفادة من ثمنها في مساعدة أسرهم التي تعيش تحت خط الفقر، وتعاني أوضاعاً معيشية متردية .

على أطراف مدينة سرمدا يتجمع عدد من الأطفال قرب مكب للنفايات، وينشغلون بنبش أكوام القمامة المتجمعة، وما إن تصل إحدى الشاحنات لإفراغ حمولتها حتى يتسابق الأطفال على نثر محتوياتها، لملء الأكياس التي يحملونها، علهم يعودون إلى عائلاتهم بما يسد الرمق، منهم الطفل سامر الخروب (12 عاماً) النازح من مدينة سراقب إلى مخيم على أطراف المدينة، يقضي يومه مع اثنين من أخوته في جمع البلاستيك، بعد تعرض والدهم لإصابة حربية قبل سنوات منعته من مزاولة أي عمل، وعن ذلك يقول: “يبدأ عملنا الشاق منذ الصباح الباكر، حيث يحمل كل منا قضيباً حديدياً وكيساً على ظهره، ونمضي نحو المكبات القريبة من المخيم نقلب ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺑﺤﺜاً ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴّﺔ يمكننا ﺑﻴﻌﻬﺎ، والاستفادة من ثمنها في مساعدة أسرتنا المحتاجة، كما نقوم أحياناً ﺑﺎﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻤﻬﺪمة بفعل الزلزال، لنجمع ﻣﺎ ﺗﺤﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﺧﺮﺩﻭﺍﺕ .” مؤكداً أن اﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻤﻬﺪﻣﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺼﺪﺭﺍً ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺎبلة لإعادة التدوير .

ويحمل هذا العمل مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض الجلدية والإسهال، حيث يشير أطفال يعملون في نبش القمامة إلى تعرضهم للسعات الذباب والبعوض بشكل دائم، كما تجعل ظروف العمل ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ الأطفال معرضين لمخاطر ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺓ، ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺇﺻﺎﺑﺎﺗﻬﻢ  بأنواع ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ، ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﻙ ﺑﺎﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ بشكل يومي .

الطفل أسعد الدرباس(13 عاماً) نازح في مخيم حربنوش شمالي إدلب يذهب  برفقة أطفال آخرين إلى مكب النفايات، حيث يجمع القطع ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ والأسلاك النحاسية لبيعها ﺑﺜﻤﻦ ﺯﻫﻴﺪ للباعة الجوالين الذين يقومون ببيعها للمعامل لإعادة تدويرها وتصنيعها. 

يشير الطفل إلى أنه لا يحب هذا العمل، ويرغب في متابعة دراسته إلا أن الوضع المادي لأسرته، وبعد المدرسة عن مكان إقامته يعيقان أمنيته ورغبته في التعلم.

ويلفت الطفل إلى إصابته بمرض الكوليرا بسبب لمس النفايات والقاذورات باستمرار، ولكنه ما إن تعافى من المرض حتى عاد إلى العمل مجدداً، وعن ذلك يقول: “كنت أعاني من إقياء وإسهال شديدين، وتم إسعافي إلى المشفى لتلقي العلاج، وعندما تحسنت حالتي الصحية عدت إلى العمل مجدداً .”  

وبصوت يخنقه الحزن يضيف: “بعد وفاة والدي أصبحت المعيل الوحيد لأمي وإخوتي الأربعة، ويتوجب علي العمل لتحصيل قوت يومنا .”

كذلك فاطمة وأخوها علاء نزحا من ريف حماة إلى مخيم حتان شمالي إدلب، يعملان ﻓﻲ جمع النفايات منذ أكثر من سنة، بسبب ﺿﻴﻖ ﺳﺒﻞ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻭﻋﺪﻡ ﺗﻮﻓﺮ ﻓﺮﺹ ﺍﻟﻌﻤﻞ، وعن معاناتها تتحدث فاطمة ذات العشر سنوات بالقول: “نواجه ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﻓﻲ عملنا، ﺃﺑﺮﺯﻫﺎ البقاء تحت أشعة الشمس طوال النهار، وتحمل الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات، إلى جانب ﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﻭشراء ﻣﺎ نقوم ﺑﺠﻤﻌﻪ ﺑﺄﺳﻌﺎﺭ بسيطة ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻧﻘﻞ المواد القابلة للبيع ﻣﻦ المكبات ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﻭﻋﻮﺭﺓ ﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﻭالحمل ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻛﺘﺎﻑ .”

وتبين فاطمة أن كل منهما يحصل على حوالي دولارين يومياً، يؤمنان بهما بعض المصاريف والنفقات الضرورية للمنزل.

المرشدة الاجتماعية سلوى الحجي (31 عاماً) من مدينة إدلب، تتحدث عن مخاطر عمل الأطفال بالقول: “لا يمكن الحديث عن ظاهرة جمع القمامة دون التطرق لمخاطرها وأضرارها، حيث لا يخلو هذا العمل من الأمراض والأوبئة والمخاطر، وخاصة فئة الأطفال الذين يعملون طوال النهار ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﻗﻄﻊ ﺣﺪﻳﺪ ﻭﺑﻼﺳﺘﻴﻚ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻗﻮﺕ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻇﺮﻭﻓﺎً ﺻﻌﺒﺔ .”

وتبين الحجي أن الأطفال يكونون عرضة للمس الأطعمة التالفة والمبيدات الحشرية والركام الناجم عن انهيار أو هدم المباني، إلى جانب الفضلات الطبية، مثل المحاقن، والإبر، والمباضع والشفرات وغيرها .

وتلفت أن غالبية الأطفال ممن ينخرطون في العمل في سن مبكرة، يتولّد لديهم الشعور بالاضطهاد والدونية والنقص.

وتدعو الحجي الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية للنظر بأهمية مساعدة هؤلاء الأطفال مادياً وإبعادهم عن مكبات النفايات، بما يحمي صحتهم من مخاطر لا تحمد عقباها، نظراً لقلة مناعتهم وضعف أجسامهم .

وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال بتاريخ 12 حزيران الماضي أصدر فريق “منسقو استجابة سوريا” بياناً تحدث فيه عن مصاعب كبيرة تواجه الأطفال في سوريا، حيث تجاوز عدد الأطفال المتسريين من العملية التعليمية أكثر من 2.5 مليون طفل، أما في شمال غرب سوريا فقد سجل أكثر من 318 ألف طفلاً متسرباً من التعليم، وأكثر من 78 ألف طفلاً في مخيمات النازحين، يعمل 85% منهم في مهن مختلفة بينها مهن خطرة.

وباتَ مشهد الأطفال الذين يتزاحمون حول مكبات القمامة بحثاً عن الخردوات والمعادن أمراً اعتيادياً في مختلف مناطق إدلب، لجني لقمة العيش رغم التعب والمخاطر والأضرار الصحية .

إعداد: مريم الغريب

زر الذهاب إلى الأعلى