آراء وتحليلات

جبل التاريخ.. السويداء من دولة إلى محافظة تحت الحصار

محمد محمود بشار

لا يصح كتابة التاريخ السوري من دون ذكر الدروز و جبلهم الذي تشكل طرقه الوعرة و قممه العالية و قراه وبلداته المتشعبة سجلاً حياً لأحداث كبيرة و مؤثرة وقعت في المنطقة  في أزمان و مراحل مختلفة.

في كتابه المعنّون بـ (سورية الدولة المتوحشة) يتطرق الكاتب الفرنسي (ميشيل سورا) إلى وجود العديد من الطوائف الدينية و المكونات القومية في سوريا، فيقول عن الموحدين الدروز مايلي:

(استحق الدروز اهتماماً خاصاً لمساهمتهم المؤثرة في تاريخ المنطقة.. كان ذكر اسم هذا الشعب يغذي حوارات الصالونات الاوروبية، وكذلك روايات الرحّالة المشهورين المذهلة، من فولني إلى جيرار دي نرفال أولاماتار، ولكن مضى ذلك الزمن و لم يعد الدروز اليوم في طليعة التاريخ..)

و من جهته يقول المؤرخ و الكاتب اللبناني الدكتور كمال ديب المحاضر جامعة أوتاوا الكندية، في كتابه الذي يحمل عنوان (تاريخ سوريا المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011) ما يلي:

(استقرار النظام في سوريا مقارنة مع لبنان لم يعن أن سورية هربت من نير الطائفية.. فتاريخ الجيش السوري منذ الانتداب الفرنسي مكّن نخبة من الضباط العلويين و الدروز والإسماعيليين من السيطرة عليه، وكانت وراء وصول البعث إلى السلطة عام 1963، و هي حقيقة تاريخية.. و الطائفية من طبيعة هذه المجتمعات ولاتُفرض فرضاً..)

      الشاهد على انهيار امبراطورية و نهوض أخرى.. دولة الجبل

بعد انهيار السلطنة العثمانية و زوال حكم الأتراك، نهضت امبراطورية أخرى على هذه الأرض، فكانت سوريا من نصيب الفرنسيين الذين قسموا سوريا الحالية إلى أربعة دول و هي: دولة جبل الدروز أو جبل العرب، ودولة دمشق، و دولة حلب و دولة العلويين و مركزها اللاذقية.

تم الاعلان عن دولة الجبل و مركزها السويداء في عام 1921 و كانت تدار هذه الدولة من قبل أهلها الدروز ولكن تحت الرقابة الفرنسية، ولم يمضي إلا أربعة أعوام حتى أشعل الموحدون الدروز ثورة مسلحة ضد الفرنسيين وذلك بقيادة سلطان باشا الأطرش و وصلت تلك الثورة التي عرفت بالثورة السورية الكبرى إلى دمشق و مناطق سورية أخرى، و بعدها بعدة أعوام وتحديداً في عام 1936 تم حل دولة الجبل و دمجها مع باقي المناطق السورية وذلك بموجب المعاهدة الفرنسية – السورية.

و حتى بعد خروج الفرنسيين من سوريا، لم تكن العلاقة بين جبل العرب و العاصمة دمشق مستقرة سياسياً وعسكرياً، فكانت بين مد و جزر.

 حيث وصل الأمر إلى شن حملة عسكرية ضد الجبل في سنة 1949 من قبل الرئيس السوري آنذاك (حسني الزعيم) وكذلك تم شن عملية عسكرية أخرى في عهد أديب الشيشكلي في بداية 1954 ويقول الكاتب الفرنسي (ميشيل سورا) بأن هذه العملية العسكرية حصلت بعد تمرد الجبل على العاصمة دمشق إثر الاعتقالات التي طالت بعض أبناء سلطان الأطرش و عدداً من الضباط الدروز، على خلفية اتهامهم بالتآمر مع المملكة الأردنية الهاشمية ضد الدولة و المخابرات السورية.

 ويذكر الكاتب الفرنسي بأنه تم قمع التمرد بقوة الدبابات و الطيران و يقول: (هذا التاريخ الأخير سجّل مفترق طرق في تاريخ العلاقات بين الدولة السورية و الطوائف، و بما أن التوازن العسكري غير قابل للعكس، فقد انكسر لمصلحة الأولى).

استقرت العلاقة نوعا ما بعد استلام حافظ الأسد الرئاسة السورية، واستمرت عملية الاستقرار إلى أن حل الربيع العربي، فكانت السويداء من بين أقل المناطق تضرراً بالصراع الذي حصل في سوريا بعد آذار 2011 حيث خرجت بعض المظاهرات المطالبة بالتغيير إلا أن اشتداد وتيرة الصراع المسلح و العنف أدى بأهل الجبل إلى التروي نوعا ما، وذلك من منطق النأي بالنفس للحفاظ على الوجود الدرزي من حرب طائفية مدمرة.

      نيران الحرب تشتعل من جديد وللجبل كلمته

في الثامن عشر من شهر آب\أغسطس الحالي بدأ أهالي السويداء و ريفها بالاحتجاج على سياسات النظام السوري وخاصة بعد انهيار الاقتصاد و عدم تمكّن دمشق من إيجاد الحلول.

ويوماً بعد يوم توسعت رقعة الاحتجاجات التي مازالت سلمية وشملت أغلب أنحاء المحافظة، ويمكن ملاحظة هذه النقاط في الحراك الشعبي الذي يشهده جبل الدروز أو جبل العرب:

1-    المرجعية الدينية و التي هي مشيخة العقل لها كلمة الحسم لحد الآن، و أغلب المحتجين يتقيدون بالتعليمات الصادرة عن شيوخ العقل.

2-    تحاول الحركة الاحتجاجية أن تمتلك خطابها السياسي الخاص بها أي الخاص بمنطقة جبل الدروز، فمن خلال الشعارات التي يتم رفعها يرفض المحتجون سياسات النظام و هم يرفضون بنفس الوقت الائتلاف السوري المعارض جملة و تفصيلاً.

3-    رفع العلم الخاص بالجبل، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالعلم الرسمي للدولة السورية أي العلم الذي يتبناه النظام السوري.

4-    الاعتراض على أي تدخل خارجي و نعت كل القوى الخارجية المتداخلة في الصراع السوري بقوى احتلال و المطالبة بخروجها جميعاً من الأراضي السورية.

5-    الخطاب الرسمي لمشيخة العقل يركز على الجانب الوطني في هذا الحراك الشعبي و يكرر شيوخ العقل مقولة: أن الوطن فوق كل الاعتبارات و كل مطالبهم موجهة لدمشق.

6-    حركة الاضراب منظمة بشكل جيد، حيث مازال المحتجون يحافظون على مسار الحراك السلمي و بتعليمات من مشيخة العقل تم الحفاظ على جميع مؤسسات الدولة، و من دون أي تخريب حيث يتم إغلاق مقرات حزب البعث في السويداء و ريفها و يحرسها أهالي المنطقة.

7-    يتمثل جوهر مطالب أهالي الجبل بحل الحكومة الحالية و خاصة الحكومة المحلية أي إدارة الفروع الأمنية و إدارة مقرات حزب البعث و المحافظ في السويداء، وكذلك تحسين الأوضاع المعيشية، على الرغم من رفع شعار إسقاط النظام في المظاهرات و التجمعات الاحتجاجية  والمطالبة بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ذو الرقم 2254 إلا أن هذه الشعارات تبدو كورقة ضغط ضد حكام دمشق ليلبوا المطالب الفعلية و العملية لأهالي الجبل المتمثلة بتغيير المسؤولين في المحافظة و إصدار بعض القرارات التي تحمي المواطن من تدهور الوضع الاقتصادي العام.

وبالتوازي مع هذه المطالب هناك أصوات أخرى تعلو ضمن هذا الحراك في الجبل، و يبدو أن تلك الأصوات لا تخضع لتعليمات مشيخة العقل، فمن ضمن ما قاله أحد شيوخ العقل بأن هناك تيار يحاول تغيير مسار الحراك نحو العنف، و في وقفة احتجاجية ضمن مدينة السويداء خرجت إحدى الناشطات لتقول: نحن لا يمثلنا أحد سوى هذا الشارع.

يبدو أن الجبل يمر بفترة مخاض عسير، وهو يتوجه نحو فرض هويته المناطقية الخاصة به، وذلك بعد مرور قرن على اعلانه كدولة ، فهو اليوم محافظة من المحافظات السورية التي تأن تحت نيران الحرب و الحصار.

و هذه هي سوريا بلد الألف حرب و حرب، يهدأ الصراع في منطقة ما، ليشتعل بشدة أكبر في منطقة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى