تقارير

أهالي الرقة يحافظون على طقوس زيارة المقابر رغم عجزهم في العثور على قبور ذويهم

لا يعرف “جمال” قبر والده الذي اعتاد على زيارته، فزيارة القبور هي أحد الطقوس التي يقوم بها أهالي الرقة، والتي ورثوها عن أجدادهم.

ومع سيطرة تنظيم “داعش” على المدنية، منع الأهالي من زيارة القبور واعتبرها “بدعة” في الدين الإسلامي، وعمد إلى تسوية القبور مع الأرض، وحرّم وضع الشواهد على القبور.

والشاهدة هي حجرة يضعها ذوي المتوفى في مقدمة ونهاية القبر مكتوب عليها اسمه وتاريخ وفاته، للتعريف بهوية المتوفى، دون أن يتخذ ذوي المتوفين من القبور كمكان للعبادات ولا حتى تقديسها.

أزال التنظيم جميع الشواهد لذا، فإن “جمال العيسى/ ٤٧ عاماً”، وعموم أهالي الرقة باتوا يعجزون عن العثور على قبور ذويهم المتوفين، لكن رغم ذلك فإنهم يحرصون على زيارة القبور بعد أن خرج التنظيم وزالت سطوته.

بين الفترة والأخرى يذهب “جمال” مع الأطفال من عائلته وأقاربه إلى المقبرة في “تل البيعة”، شرقي الرقة، ورغم أنه لا يعرف قبر أبيه، لكنه يعتبر أن الذهاب للقبور طقس مرتبط بثقافته المجتمعية.

وسيطر تنظيم “داعش” على الرقة حوالي /٤/ سنوات ومارس فيها أبشع الجرائم وضيّق على الأهالي ونفَّذ ضدهم أحكاماً مختلفة وغريبة وفق شريعته التي يقول إنها “إسلامية”.

يقول “سليمان الموالي”، وهو في العقد الرابع من العمر، ومن أهالي الرقة، إنه أقلع عن الذهاب إلى قبر والدته خلال فترة سيطرة التنظيم خوفاً من بطشه، مشيراًأن التنظيم يعتبر زيارة القبور “كفر” يعاقب عليه بالقصاص.

ويضيف أن الحياة توقفت وانقلبت إلى سواد مطلق، “وحتى الموتى لم يسلموا من بطش التنظيم”، حيث استخدم الآليات الثقيلة لنسف وجرف القبور وإزالة شواهدها، كما فجر بعض المزارات التي يسميها أهالي الرقة بـ”شيوخ الكرامات”، وهم بمثابة شيوخ روحيين يزورهم أشخاص من عشيرته أو حتى غرباء أيضاً.

ويمكن القول إنه لدى كل عشيرة “شيخ كرامة”، يعتقد الأهالي أن هؤلاء “لهم كرامات أمام الله عزّ وجل”، ويزورونهم في حالات المرض أو عدم إنجاب الأطفال أو المصابين بالمسِّ، عبر المباركة بزيارة القبر، دون أن يكون هناك شخص آخر حي يخدمهم بما يرغبون.

يعتقد “أبو صالح” أن لقبر جاره شأن، بعد أن تداول الأهالي أقاويل إنهم تماثلوا للشفاء بعد زيارته، ولا يزال يعتقد ذلك، ويستذكر كيف جُلدت امرأة وزوجها عند زيارتهما للقبر من قبل عناصر للتنظيم.ويرى أن للناس حرية فيما يعتقدون ولا يحق للتنظيم فرض قناعاته على الأهالي.

ويقول “أبو صالح”إن جاراًله كان نازحاً من ريف حلب توفي طفله غرقاً بإحدى قنوات الري فدفنه بالقرب من منزله حيث مقبرة القرية. لكن بعد أن تحررت المنطقة وانتقل إلى حلب؛ رغب بنقل جثمان ابنه لزيارته في الأعياد، إلا أنه عجز عن إيجاد جثمان ولده بسبب تشابه القبور وضياع معالمها.

لم يعد يفرّق أهالي الرقة بين القبور، لكنهم رغم ذلك يحرصون على زيارتها، كما أن الأهالي لم يعودوا يميزون بين المقابر العشوائية والجماعية وبين قبور ذويهم.

وعثر أهالي الرقة بعد تحرير مدينتهم على آلاف الجثث في المقابر العشوائية وكذلك الجماعية، تضمنت أكثر من /٦/ آلاف جثة لأشخاص مجهولين سيبقى مصيرهم مجهولاً لحين إيجاد طريقة ما لتحليل جثثهم.

كما أنه خلال ظروف الحرب وما رافقها من نزوح، تلك الظروف التي دفعت الكثير من الأهالي ممن توفى لهم أقرباء أو معارف أو عثروا على جثث، اللجوء إلى دفنها بمكان تواجد الجثة؛ بسبب الخوف أثناء الهروب من تنظيم “داعش”.

زر الذهاب إلى الأعلى