من الثورة إلى السلطة: هل تنجح الإدارة الجديدة في سوريا بكسب الاعتراف الدولي؟

تواصل الإدارة الجديدة في سوريا، بقيادة أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، مساعيها لإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والغربية لاكتساب اعتراف دولي وتثبيت أركان سلطتها بعد انهيار نظام بشار الأسد. لكن الأسابيع الأولى أبرزت جوانب مقلقة للمحيطين الإقليمي والدولي. فقد زارت العاصمة السورية دمشق العديد من الوفود العربية والدولية، في محاولة لاستكشاف رؤية الإدارة الجديدة للملفات ذات الأولوية، ومن أهمها التأكد من عدم تحول العملية السياسية الانتقالية في سوريا إلى تمهيد مخطط لحكم ذي طابع أيديولوجي متطرف مبني على قوة السلاح.
تتزايد المخاوف في تونس من عودة المقاتلين المتطرفين الذين انضموا إلى تنظيمات إرهابية في سوريا، وسط تحذيرات من تسللهم عبر الحدود أو استخدام هويات مزورة. وعقب انهيار نظام الأسد، حذّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة في تونس من “عودة كثيفة” لآلاف المقاتلين بمساعدة إسلاميين متطرفين، بعد إطلاق سراح بعضهم من السجون السورية. وأظهرت التحقيقات الأمنية والقضائية تورط بعض الذين سافروا لاحقًا إلى سوريا في تنفيذ عمليات إرهابية كبرى داخل تونس قبل تهريبهم إلى الخارج، مما يعمّق القلق من تهديدات أمنية جديدة قد تواجه البلاد في حال عودة المقاتلين المتطرفين.
يشكّل نجاح هيئة تحرير الشام في السيطرة على السلطة في سوريا سابقة قد تُشجّع الجماعات الإسلامية المتطرفة في دول عربية أخرى على تبنّي نفس النهج المسلح لتحقيق أهدافها. فمع وجود آلاف المقاتلين الذين سافروا من دول شمال إفريقيا مثل تونس وليبيا للالتحاق بالجماعات المتطرفة في سوريا، قد يعود هؤلاء بخبرات قتالية، مما يعزّز احتمال محاولة استنساخ السيناريو السوري في بلدانهم الأصلية. هذا الوضع يثير مخاوف متزايدة من تصاعد العنف وتهديد الاستقرار في المنطقة، خاصة في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في بعض دول شمال إفريقيا.
يجدر الإشارة إلى أن رحلة الجولاني الجهادية في العراق بدأت بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان البذرة الأولى لتنظيم داعش. في معسكر بوكا، حيث سُجن عام 2005، عزز الجولاني علاقاته الجهادية وتعرّف على أبو بكر البغدادي، الذي أصبح قائد داعش لاحقًا. في 2011، كلفه البغدادي بتأسيس جبهة النصرة في سوريا، والتي سرعان ما تحولت إلى قوة بارزة في الحرب السورية. في 2016، أعاد الجولاني تسمية جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، قبل أن تتحول إلى هيئة تحرير الشام عام 2017 بضم فصائل متشددة أخرى. هذه الخلفية تثير الشكوك حول قدرة الجولاني على قيادة سوريا نحو الاستقرار بعيدًا عن الأيديولوجيات المتطرفة.
بينما تسعى الإدارة الجديدة في سوريا للتبرؤ من الماضي الجهادي المتطرف، تُبرز هجمات عناصرها المسلحة على رموز دينية مثل مقام أبي عبد الله الحسين الخصيبي، ذي المكانة الدينية لدى الأقلية العلوية، صعوبة التخلص من هذا الإرث. وقد أشعلت هذه الانتهاكات مظاهرات واسعة في مدن مثل طرطوس واللاذقية، حيث طالب المحتجون بالعدالة ووقف الاعتداءات، فيما واجهت هذه المظاهرات قمعًا شديدًا من الهيئة، مما زاد التوترات الطائفية. وشهدت مناطق مثل حماة وطرطوس إعدامات ميدانية بحق أفراد يُشتبه بتعاونهم مع النظام السابق، شملت التصفيات قضاة وضباطًا سابقين، مما يعكس سياسة تصفوية خارج إطار القانون.• تزايدت مخاوف المسيحيين في سوريا بشأن أوضاعهم الأمنية والاجتماعية، خاصة في ظل استمرار التوترات الطائفية والاعتداءات على رموزهم الدينية، حيث يشهدون حوادث متفرقة من استهداف كنائسهم ومظاهرهم الدينية، مثل حرق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية مؤخرًا.
يبدو أن المخاوف امتدت إلى المرأة السورية التي سرعان ما وجدت نفسها في خضم مخطط حكومي جديد يهدف إلى تحديد دورها في تولي المسؤوليات نيابة عنها. حيث عبّرت السيدة عائشة الدبس، رئيس مكتب شؤون المرأة في الإدارة الجديدة، عن ذلك بالقول: “الإدارة الجديدة في سوريا ستعمل على صنع نموذج يناسب وضع وظروف المرأة السورية”. وذكرت أنه “لا يوجد لدينا الآن نموذج جاهز للمرأة السورية، إنما ننتظر الجلوس مع الجميع والحوار، والشريعة الإسلامية هي المرتكز الأساسي لأي نموذج”، متسائلة باستنكار: “لماذا نتبنى النموذج العلماني أو المدني؟”. وعن التعامل مع المنظمات الحقوقية المعنية بالمرأة، قالت: “أنا لن أفتح المجال لمن يختلف معي في الفكر”. وقبل أيام تسبب المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، عبيدة أرناؤوط، في عاصفة من الجدل، عندما قال إن “كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف كوزارة الدفاع مثلًا”، في إشارة إلى رفضه فكرة تولي النساء مناصب معينة في الحكومة، مما اعتبره العديد من السوريين والسوريات إهانة لدور المرأة في المجتمع وتقليلًا من كفاءتها وقدراتها.
المخاوف على وضع المرأة يعززها الماضي القريب، حيث تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنه حتى الثامن من أغسطس عام 2024، كانت سجون هيئة تحرير الشام في إدلب تحتجز 45 سيدة، بينما احتجزت باقي الفصائل المعارضة 543 سيدة، مما يعني أن فصائل المعارضة المسلحة التي شاركت تحت راية عملية “ردع العدوان” وضعت في المحمل 600 سيدة قيد الاعتقال التعسفي.
تصريحات الشرع فيما يخص المرحلة الانتقالية تثير التساؤلات بشأن طبيعة العملية السياسية الجديدة، حيث قال في مقابلة مع قناة العربية إن تنظيم الانتخابات قد يستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، وهي مدة تماثل فترة رئاسية كاملة. الأمر الذي يشير إلى عملية انتقالية طويلة تحت إشرافه وخارج إطار الدستور الذي ستستغرق عملية كتابته ثلاث سنوات، وفق تقديراته. وقد تمنح هذه الفترة الكبيرة هيئة تحرير الشام الفرصة الكافية للتمكن من مفاصل الدولة السورية على حساب المكونات السياسية المدنية والاجتماعية الأخرى، وهو ما يدفع للتساؤل عن شكل الدولة خلال الفترة الانتقالية بالنظر إلى الفكر الإسلامي المسلح الذي يحكمها.
تشكل الأدوار الخارجية في الصراع السوري العمود الفقري في تشكيل النظام الجديد، ويمكن وصف ذلك بموسم الحصاد. حيث صرح الشرع، لدى استقباله وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، بأن “قطر لها أولوية خاصة في سوريا”، وأن مشاركتها في المرحلة القادمة ستكون فعالة ومهمة في كافة المجالات، أهمها قطاعات الطاقة والموانئ وتأهيل المطارات. وبحسب تقارير دولية عديدة، فقد قدمت قطر دعمًا ماليًا ضخمًا منذ عام 2011 لتسليح الجماعات السورية المعارضة، ومن بينها جبهة النصرة التي أصبحت هيئة تحرير الشام لاحقًا. ورغم عدم وجود أي إعلان رسمي بهذا الشأن، فإن قيام الدوحة بالتفاوض على صفقة عام 2014 للإفراج عن الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كورتيس، الذي كان محتجزًا لدى جبهة النصرة، أثبت وجود صلات قوية مع هذه الجماعة المسلحة.