امرأة تحكم سوريا.. التجربة النسائية في العملية السياسية السورية

محمد محمود بشار
الثامن من ديسمبر لم يكن يوماً للتغيير السياسي فقط، بل كان يوماً لفتح آفاق جديدة أمام السوريين الذين باتوا يسألون ويتساءلون عن مؤهلات الرئيس، وكيف يصل المرء إلى كرسي الرئاسة، هذا الكرسي الذي لم يعرف سوى الرجال وكان بعيداً عن متناول النساء.
عندما استلم بشار الأسد دفة القيادة في صيف 2000 لم يسأل أي مواطن سوري عن مؤهلات رئيسه الجديد، فقد كان لديه ما يكفي للجلوس على كرسي الرئاسة وهو أنه ابن الرئيس الراحل حافظ الأسد. وهذا الأمر جعله يحكم بعد والده 24 عاماً إلى أن فر في صبيحة الثامن من ديسمبر 2024 وتغيرت خارطة الحكم في هذه البلاد.
- مناصب أبوابها مغلقة أمام النساء
منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة في العشرينات من القرن الماضي ولحد اليوم، لم تستلم المرأة رئاسة الجمهورية على الاطلاق، وكان أعلى منصب في هرم الدولة تصل إليه المرأة السورية، هو رئاسة البرلمان المعروف باسم مجلس الشعب، حيث تبوأت الدكتورة هدية خلف عباس القيادية في حزب البعث منصب رئيسة مجلس الشعب في صيف 2016 واستمرت عاماً واحداً فقط إلى أن تم عزلها في صيف 2017.
وكذلك تبوأت الدكتورة نجاح العطار منصب نائب رئيس الجمهورية عام 2006 كما أصبحت الدكتورة بثينة شعبان مستشارة للرئيس السوري بشار الأسد.
وكانت هناك عدة وزارات ترأستها المرأة، إلا أنها لم تتبوأ مناصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، حيث بقيت هذه المناصب حكراً على الرجال فقط.
وكأن أبواب هذه المناصب كانت مقفلة، وكانت مفاتيح هذه الأقفال في عهدة الرجال فقط.
- المرأة خارج مناطق سيطرة نظام الأسد
فرضت سنوات الحرب السورية واقعاً سياسياً وعسكرياً مغايراً لما كانت عليها الأوضاع قبل 2011.
حيث باتت هناك مناطق نفوذ متعددة خارجة عن سيطرة دمشق، وفي هذه المناطق وخاصة في مناطق شمال وشرق سوريا أي مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية برز دور المرأة في العديد من القطاعات فكانت أغلب المؤسسات السياسية والعسكرية والادارية في هذه المناطق تطبق نظام الرئاسة المشتركة بين الرجل والمرأة مناصفة، حيث تبوأت النساء مناصب في قمة الهرم القيادي، هذا ماعدا عن المؤسسات الخاصة بالنساء وهذه النقطة بالذات جعلت أغلب دول العالم والمنظمات الدولية والمؤسسات الاعلامية تولي اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة السورية.
في مؤسسات المعارضة السورية تبوأت النساء مواقع مهمة في البداية إلا أن هذا الدور تقلص رويداً رويداً، حتى إنه قبل التغيير الكبير في الثامن من ديسمبر كانت المرأة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة شبه مغيبة عن المشهد السياسي.
- حكومة تسيير الأعمال من دون نساء
يبدو أن سرعة الأحداث وطبيعة السياسات التي كانت تنتهجها هيئة تحرير الشام، فرضت على الإدارة السورية الجديدة والتي تقودها الهيئة وأمير الهيئة السيد أحمد الشرع، أن تقوم بعملية يمكن أن يقال عنها استنساخ تجربة حكم إدلب ولكن بشكل مؤقت يمتد من ديسمبر العام الماضي إلى مارس من العام الحالي.
في وزارات الحكومة الجديدة ليست هناك نساء وزيرات، ولكن باعتبار أن دمشق تحررت من الهيمنة الايرانية والروسية وهيمنة حزب الله اللبناني، وهي اليوم منفتحة على العالم الغربي والعربي أكثر من أي فترة أخرى، فإنها تواجه ضغوط من كل حدب وصوب تطالب الحكام الجدد بأن يكون للمرأة دور سياسي مهم في إدارة البلاد.
وعلى الرغم من كون هذه الحكومة مؤقتة، إلا أنها قد تشهد تغييرات سريعة وكبيرة وكثيرة من حيث تغيير الوزراء للتناغم والانسجام مع المطالب الغربية.
- الدولة التي أرهقها الرجال هل تفتح أبواب قصرها الرئاسي أمام النساء
عقود من الزمن جعلت السوريين يعيشون الكثير من التجارب، إلا أن القمع والقبضة الأمنية جعلت أغلبهم معنيين صامتين بالشأن العام، ولكن مع سنوات الحرب والتغييرات الكبيرة التي شهدتها دمشق في الايام الأخيرة من العام الماضي، جعلت من السوريين يعيدون حساباتهم للخروج من حالة المتابعة بصمت إلى حالة المشاركة الفعالة فيما يجري وخاصة في عالم السياسة.
فمن كان مطلوباً عالمياً للاعتقال حيث تم تخصيص مكافأة وقدرها عشرة مليون دولار للإدلاء بمعلومات عن مكانه للامريكان وكان يتم نعته بـ”زعيم الارهابيين” من قبل رئيس النظام السوري السابق، فهو اليوم يجلس في قصر الرئيس ويمتلك صلاحيات الرئيس ويستقبل وفود الدول ومنها الوفود الأمريكية.
هذا التغيير قد يفتح الباب أمام تغييرات أخرى، ومنها أمام النساء للتوجه نحو محاولة الجلوس على كرسي الرئاسة، فقد تحقق النساء ما عجز عنه الرجال.
حسب المعطيات المتوفرة لتقييم استراتيجية الادارة السورية الجديدة، فإنه من الصعب أن تصبح امرأة رئيسة للجمهورية، إلا أن سوريا ستمر في مراحل أخرى وأهمها هي تطبيق مضمون القرار الدولي 2254 وإجراء انتخابات بحضور ورقابة دولية، حينها سيكون بإمكان النساء المشاركة في تلك الانتخابات، وقد يُجمع السوريون أن يدلوا بأصواتهم لصالح امرأة لتقود هذه البلاد التي أرهقتها الذكورية المفرطة وحكم الرجال.
*كاتب سوري