سوريا.. في ذيل مؤشر السلام وعلى قمة الإرهاب!

رسم تقريرا “مؤشر السلام العالمي” و”مؤشر الإرهاب العالمي” للعام 2025، الصادران عن معهد الاقتصاد والسلام، صورة متناقضة لسوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ففي الوقت الذي حلّت فيه البلاد في مراكز متأخرة للغاية على سلم السلام، جاءت ضمن الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب، وسط حالة سيولة سياسية وأمنية لم تخرج بعد من رحم الحرب.
سوريا في ذيل مؤشر السلام: دولة تبحث عن تماسك
بعد انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت البلاد مرحلة انتقالية غير مكتملة الملامح.
“فقد استولت هيئة تحرير الشام على دمشق، وشكلت حكومة تصريف أعمال، أعقبتها إدارة انتقالية بقيادة زعيمها أحمد الشرع، قبل إصدار إعلان دستوري جديد” وفق ما جاء في التقرير.
ورغم بوادر انفتاح دولي تمثّل بتخفيف تدريجي للعقوبات من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بقيت السلطة المركزية السورية مجزأة، تعاني من ضعف التوافق الوطني وانعدام الإدماج الشامل في هياكل الحكم.
سيطرة مجزّأة وتحديات أمنية متفاقمة
يقول التقرير “أُنشئ جيش سوريا الجديد في يناير/كانون الثاني 2025 من عناصر هيئة تحرير الشام والجيش الوطني، ليضع مساحات واسعة من الشمال والغرب السوري، بما فيها دمشق، تحت مظلة الحكومة الانتقالية. غير أن السلطة ما تزال هشّة أمام تحديات كبرى”.
الشرق السوري:
بحسب التقرير تواصل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سيطرتها على مناطق استراتيجية غنية بالنفط والغاز، وتُفاوض على اندماج تدريجي مع مؤسسات الدولة بموجب اتفاق وُقّع في مارس/آذار.
الوجود التركي:
وفقاً للتقرير لا تزال أنقرة تمارس نفوذها العسكري والسياسي من خلال فصائل الجيش الوطني الموالية لها، رغم الاندماج الشكلي مع الجيش الجديد.
فلول النظام السابق:
يحتفظ موالون للأسد بحسب التقرير بوجود نشط في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث نفّذوا عمليات ضد الحكومة الانتقالية، أبرزها في حماة خلال مارس/آذار.
الفصائل الدرزية:
يقول التقرير أن فصائل درزية ما تزال تحتفظ بنفوذها الذاتي الأمني وتفاوض بحذر على شروط التعامل مع الحكومة الجديدة.
سوريا في الصدارة بمؤشر الإرهاب: داعش يعود من تحت الرماد
بينما تتعثر البلاد في إعادة بناء السلام، لا يزال خطر الإرهاب يتصاعد. فقد وثّق “مؤشر الإرهاب العالمي 2025” ارتفاعاً في الهجمات الإرهابية بنسبة 16% خلال عام 2024، مسجّلاً 430 هجوماً أسفر عن 744 حالة وفاة، مقارنة بـ715 وفاة في 2023.
داعش: المسؤول الأكبر عن التصعيد
جاء تنظيم (داعش) في صدارة الجهات المنفذة للهجمات، حيث:
نفذ 369 هجوماً أدت إلى 708 وفيات.
شكّلت هجماته 86% من مجمل الحوادث، و95% من إجمالي الوفيات.
ركّز عملياته على العناصر العسكرية، التي شكّلت 63% من ضحاياه.
أخطر الهجمات وقع في محافظة حمص، وأسفر عن مقتل 54 جندياً بعد يومين فقط من سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما شهد الشهر نفسه 23 هجوماً في 23 يوماً، ما جعله الشهر الأكثر دموية خلال العام.
المناطق المتضررة
تركزت الهجمات في المحافظات الشرقية، لا سيما:
حمص: 252 وفاة
دير الزور: 248 وفاة
الرقة: 154 وفاة
وشكلت هذه المحافظات 76% من إجمالي الهجمات، متأثرة بقربها من الحدود العراقية حيث تتمتع داعش بعمق جغرافي في الصحراء الممتدة بين البلدين.
فوضى ما بعد الأسد
رغم خروج البلاد من قبضة نظام الأسد، إلا أن نتائج تقرير معهد الاقتصاد والسلام تشير إلى أن سوريا لم تدخل بعد في مسار سلام فعلي. بل على العكس، ففراغ السلطة وتعدد مراكز النفوذ، بالإضافة إلى تصاعد نشاط داعش، قد يعيد البلاد إلى مربع الفوضى المسلحة.
وتبقى أبرز التحديات المطروحة على الحكومة الانتقالية في سوريا وفقاً للتقرير هي:
ترسيخ شرعية وطنية جامعة
دمج القوى العسكرية المتفرقة
ضمان شراكة سياسية مع قوى الأمر الواقع في الشمال الشرقي والجنوب
التصدي لخطر فلول داعش والتنظيمات المتطرفة
وقال التقرير: “إنّ استمرار تدهور مؤشري السلام والإرهاب في سوريا يعكس حقيقة صعبة: الطريق نحو الاستقرار طويل وشاق، ولن ينجح دون توافق وطني شامل وضمانات دولية حقيقية”.