كيف تؤثر التوترات الطائفية في سوريا على الجالية السورية في ألمانيا؟

مصدر التقرير: DW
انقسام الصراع السوري يلاحق السوريين في الشتات
يشهد السوريون في ألمانيا توترات متزايدة بعد اندلاع اشتباكات طائفية في الجنوب السوري، لا سيما بين الدروز والبدو السنّة في محافظة السويداء. فقد أدى هذا العنف إلى انقسام واضح بين أفراد الجالية السورية في أوروبا، وخصوصًا في ألمانيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين في القارة.
“نخسر بعضنا البعض“
يقول حسن، وهو لاجئ سوري في برلين يبلغ من العمر 32 عامًا، إنه لم يكن يُسأل يومًا عن طائفته، لكن ذلك تغيّر مؤخرًا.
“مستوى الإساءة الطائفية وخطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي مرتفع للغاية… نحن نخسر بعضنا البعض بسبب هذا الأمر.”
ويشير إلى أن الكثيرين من أصدقائه بدأوا يبتعدون عنه بسبب انتمائه المذهبي، ويضيف:
“يبدو أن الأشخاص الذين كنت قريبًا منهم يعتقدون الآن أننا لا نستطيع أن نكون أصدقاء لأنني سني.”
تصعيد على الأرض وفي الشتات
اندلع العنف في السويداء بسبب عمليات اختطاف متبادلة، ثم تطوّر إلى مواجهات مسلحة، وهو ليس الحدث الطائفي الوحيد في الأشهر الأخيرة؛ فقد سبقته اشتباكات أخرى بين العلويين وسوريين آخرين في مارس/آذار الماضي.
ويؤكد ماجد، وهو صديق درزي لحسن، عاد من السويداء مؤخرًا، أنه يشعر بتوتر أكبر في برلين، ويقول:
“السبب هو أن بعض الناس هنا ما زالوا يعيشون بعقلية النظام، وكأن الأسد ما زال يسيطر.”
تحول في المزاج العام للجالية
تعلّق رزان رشيدي، المديرة التنفيذية لمنظمة “الحملة السورية” لحقوق الإنسان في برلين:
“في السنوات الأولى للثورة، كان هناك شعور قوي بالنضال المشترك. نادرًا ما كان الناس يسألون عن الطائفة. كنا متحدين في وجه الديكتاتورية.”
وتضيف أن هذا الشعور بدأ يتآكل بسبب الأحداث الأخيرة والانقسامات المستمرة.
صدامات في الشوارع الألمانية
في 20 يوليو/تموز، شهدت مدينة دوسلدورف اشتباكًا بين متظاهرين مؤيدين لقوات سوريا الديمقراطية وآخرين مؤيدين للحكومة السورية المؤقتة.
ووفقًا لشرطة المدينة، اندلع “شجار” بعد استفزازات لفظية، أدى إلى اعتقال شخصين وإصابة أحدهم، وتخلله رشق بزجاجات وحجارة.
وفي برلين، هتف بعض المشاركين في مظاهرة مناهضة للدروز وإسرائيل، ما دفع رئيس بلدية المدينة، كاي فيجنر، إلى التنديد بالتصريحات، ملوحًا بإمكانية ترحيل من يحرّض على الكراهية والعنف.
مشاعر الغضب والانقسام
يقول أحمد، نادل سوري في برلين يبلغ من العمر 30 عامًا، إنه توقّف عن الحديث مع صديقه الدرزي، موضحًا:
“قال لي إنه يريد شراء عقار قرب الحدود الإسرائيلية… لا يمكن الوثوق بهؤلاء الناس.”
ثم تراجع عن تعميمه قائلاً: “لا أقصد كل الدروز، بل بعضهم فقط.”
دعوات إلى الوحدة
رغم التصعيد، عبّر كثير من المتظاهرين في برلين عن رفضهم للفتنة. قال أحدهم:
“هذا البلد ملك لنا جميعًا. علينا جميعًا أن نتعايش معًا.”
وقال آخر:”علينا أن نتكاتف.”
فيما أكد متظاهر ثالث:”نرفض التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ومحاولات إثارة الفتنة الطائفية والعرقية.”
“الخوف موجود… لكن لا يجب تهويل الأمور“
ترى رزان رشيدي أن العناوين الإعلامية الألمانية تضخّم التوترات أحيانًا.
“نعم، هناك حوادث مروعة ومخاوف حقيقية، لكن معظم السوريين هنا جاؤوا هربًا من العنف، لا لإعادة إنتاجه. ما يحدث هو نتيجة غياب العدالة والمساءلة في وطننا.”
وسائل التواصل تزيد الطين بلة
يتفق جميع من قابلتهم DW على أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا في تأجيج التوترات، عبر نشر معلومات مضللة وخطابات كراهية، بعضها مموّل من جهات سياسية تسعى لتقسيم المجتمع السوري.
وتطالب رشيدي المفوضية الأوروبية بتفعيل “قانون الخدمات الرقمية” لحماية المستخدمين من هذا النوع من المحتوى، وتشدد على ضرورة دعم منظمات المجتمع المدني السوري التي تعمل على توثيق الانتهاكات، والدعوة للعدالة، ومحاربة التضليل.
مبادرة “التاسع من الشهر”: نحو سوريا لكل السوريين
برزت مبادرة سورية في ألمانيا تحمل اسم “حركة التاسع من الشهر”، مستوحاة من تاريخ إطلاق المعتقلين السياسيين في سوريا في ديسمبر 2024.
نظّمت الحركة وقفة احتجاجية صامتة أمام وزارة الخارجية الألمانية في برلين، من دون أعلام أو شعارات، رفضًا لـ”المجازر والحصار والهستيريا الطائفية”.
يقول أحد مؤسسي الحركة (طلب عدم الكشف عن هويته):
“تأسست الحركة للدفاع عن سوريا ديمقراطية قائمة على حقوق الإنسان وسيادة القانون… نؤمن أن سقوط نظام الأسد مجرد خطوة أولى نحو سوريا التي نريدها: سوريا لكل السوريين.”