آراء وتحليلات

كيف قرأت المعارضة السورية المصالحة التركية_ السورية؟

محمد عيسى

إن الحدث الأبرز الذي مازال يُعَدُّ حديث الساعة بعد لقاء سوتشي بين بوتين وأردوغان، هو التطور المباغت في الخطاب التركي حول الوضع السوري، واحتمال أو “نيّة” المصالحة مع نظام دمشق.

هذه المصالحة التي قد تكون فرضتها مستجدات لم تكن في حساب أو في تقدير أصحابها أنفسهم، ووضعت كل الفرقاء المعنيين بالشأن السوري أمام معادلات وتحديات جديدة.

فالنظام التركي الأردوغاني الذي تقمَّص رئيسه هذه اﻻستدارة الحادّة، والتي جاءت بعد لقائه المتمّم في سوتشي لمهام لم تُكتمل في قمة طهران، بدا في خطوته مذعوراً، أو كمّن شاهد فيلما فتعكّر مزاجه، ما يوحي أن الفيلم كان في حقيبة صديقه “بوتين” المدعور أكثر هو الآخر. وﻻ عجب في ذلك؛ فبوتين الغارق في المستنقع الأوكراني، والذي تشير التَّقارير الغربيّة والوقائع على الأرض أنه قد خسر معركة المعلومات في حربه مع أوكرانيا، الأمر الذي ﻻ يدع مجالاً للشك أن الثنائي المُرتَبِك قد وجد نفسه يستيقظ وقد ضاقت خياراته.

لتبقى الطريق إلى دمشق، على وعورته، هي الخيار الوحيد الذي بقيَ سالكاً أمام أنقرة، وخاصة بعد أن تَكشَّفَ أن لعبة الرقص على الحبال قد وصلت إلى نهايتها، في ظل مناخ إقليمي جديد ومختلف بدا يُخيِّم على أجواء المنطقة، من تجلّياته بروز برودة إيرانية، أو بداية تراجعها عن السياسة الراديكالية السابقة، ظهرت ملامحها في معركة غزة الأخيرة، وغياب أي ردّات فعل حيال قيام إسرائيل بتصفية قادة بارزين في حركة الجهاد الإسلامي، وأيضاً عبر تخلّيها في المسوَّدة الأخيرة للاتفاق النووي، المزمع توقيعه أو الذي صار شبه نهائي، عن شرطها برفع الحرس الثوري الإيراني عن قوائم الإرهاب، .بالإضافة عن تراجعات أخرى عديدة، مما يترك انطباعا أن إيران تُبدي حرصاً في مداراة المفاوض الأمريكي بخصوص الاتفاق، وفي وارد أن تكون كمَّن يَهُمُّ بمغادرة قطار أستانا سيّء الصّيت.

والشيء المهم في كل ذلك وفي ممرّ النفق الضيق بين دمشق وأنقرة؛ هو تعالي أصوات الاستغاثة والذعر من معارضة تقطَّعت بها السبل وصارت تهيم على وجهها بالأرض ومازالت تعيش أجواء الصدمة والارتباك، بالإضافة إلى جَلَدٍ لم يعد ينفع للنفس.

لقد بات من المحقق أن تُخلِيَ أنقرة عنها صار من المحتّم، ولم يعد بانتظار من سيمكث في هذا النفق غير واحد من مصيرين؛ الأول المصالحة مع دمشق على طريقة المصالحات المعهودة، والثاني هو سلَّة الزبالة أو القتل والتصفية والتهميش، لينعكس ذلك – بالضرورة – على هياكل ومؤسسات معارضة كالإئتلاف السوري المعارض وما يتفرع عنه من أطر ومسميات. هذه الهياكل والأطر التي صارت بحكم الميتة سريرياً أو تكاد. وليس أدل على ذلك من تصريحات مستجدة لمعارض كـ”جورج صبرا” أُخِذَ طويلاً مع غيره بوَهْمِ الثورة الشعبية الإسلاموية التي مهماز قيادتها في أنقرة حيناً وفي الخليج حيناً آخر. تصريحات تقول “الإئتلاف منذ الولادة كان يحمل عيوباً خلقية”، ومن الجدير بالذكر أن هذا لم يعد كلام “صبرا” وحده؛ بل صار كلاماً شائعاً لدى كثيرين ممن استفاقوا من تنويم طويل.

وإذا كان هذا هو الواقع بكل هزليّته ومرارته؛ .فما من شك بأن سؤالين اثنين سوف تطرحهما الوقائع والمستجدات، أحدهما: هل هذه هي نهاية المطاف لحياة المعارضة، أم أن للمسألة بقية؟، والسؤال الآخر هو: هل سينجح مدبلجو هدا الفيلم بتمريره دون أوجاع ؟ أو هل يمكن تمرير التاريخ من ثقب ضيق؟

وعند هذه النقطة؛ واستتباعاً لكل ما تقدم، ﻻ يجوز أن يراود الشك أحداً أن تاريخ الشعوب والثورات يحمل إجابات قاطعة. فما من ثورة انتصرت من جولة واحدة، والثورة السورية كواحدة من أفعال الشعوب الحيّة؛ ﻻ بد أن تتلمَّسَ طريقها الصحيح نحو النجاح وبلوغ الهدف. والثورة السورية التي تبلورت نواتها الأولى في 19 تموز 2012؛ وتجذَّرت في مشروع مجلس سوريا الديمقراطية، ﻻ بد أن تتحول إلى كرة الثلج التي ستستقطب إلى صفها كل أصحاب النوايا الصادقة في نهج الثورة السورية، وأن السوريين الحالمين بمجتمع الحرية والكرامة لن يبقوا حائرين طويلاً ولا بد أن يغادروا الحافلة التركية الأردوغانية إلى السكة الصحيحة.

وقد باتت علامات النضج في مواقف الجماهير، صانعة الحراك، بالظهور جلياً، ويسجل بالنحو من ذلك كلاماً في غاية الأهمية والدلالة والوضوح للناشط المثقف المعارض المعروف “غسان إبراهيم”  يدعو فيه الثوار إلى الالتحاق بمشروع (قسد)، كملاذٍ وحيد وصحيح لإنقاذ مشروع الثورة. وفي مكان آخر، ومنذ مدة تظهر تصريحات ومواقف ذات دلالة للعميد “أحمد رحّال” وغيرهم كثير، ما يعني أن طريق الثورة الحقيقي هو مشروع (مسد) وﻻ شيء غيره، وأن من مسؤوليات النخب السورية الشريفة أن تدل الشعب إلى الطريق الصحيح.

من جهة أخرى؛ فإن مصير القوى والنظم والحركات التي عبثت بمصير الشعب السوري واستغلت حلمه بالتغيير الديمقراطي والعدالة اﻻجتماعية، حيث دفعته إلى ثورة مقلوبة ووظّفتها لتحقيق أجندات كانت قد وُضِعت في أنقرة والدوحة أو في غير مكان، ﻻ بد أن يكون مصيرها الانكشاف والخيبة والخزي والعار، وما المظاهرات التي تتكرر اليوم في مدن وقرى إدلب وفي المناطق المحتلة من قبل الأتراك إلا خير دليل على ذلك.

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها

زر الذهاب إلى الأعلى