تحقيق يكشف عن شبكات خارجية تغذّي الطائفية وخطاب الكراهية في سوريا

كشفت “بي بي سي” في تحقيق استقصائي عن وجود شبكات من الحسابات الخارجية النشطة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، تعمل على تأجيج الطائفية ونشر خطاب الكراهية، إلى جانب ترويج معلومات مضللة حول الأوضاع في سوريا.
وبيّن التحقيق أن هذه الشبكات تُدار بشكل منسق ومنهجي، ضمن حملات إلكترونية تستهدف الحكومة السورية الانتقالية وبعض الأقليات، بالتزامن مع التغيرات السياسية التي تمر بها البلاد. وقد تمكن الفريق من تتبّع نشاط هذه الحسابات من خلال رصد أكثر من مليوني منشور، وتحليل عينة تشمل أكثر من 400 ألف منها.
وربط التحقيق بين هذه المنشورات وحملات تضليل وخطاب كراهية من قبل مؤيدي ومعارضي الإدارة السورية الجديدة. وكشف عن استخدام أساليب تلاعب مثل الحسابات المبرمجة، والخوارزميات للهيمنة على النقاشات العامة، من خلال النشر المتزامن، وإعادة تدوير محتوى قديم، ونسج روايات ملفقة.
حملات منسقة ضد الإدارة الجديدة
فحص فريق بي بي سي لتقصي الحقائق، 50 ألف منشور يحتوي على ادعاءات كاذبة أو غير موثوقة ضد الإدارة السورية الجديدة، وتبيَّن أن 60 في المئة من هذه المنشورات صادر عن حسابات حددت أدوات التحليل موقعها الجغرافي خارج سوريا، خاصةً في العراق واليمن ولبنان وإيران.
على سبيل المثال، في 9 مارس/آذار، نشرت حسابات متعددة ادعاءً كاذباً يفيد بأن كاهن كنيسة مار إلياس قد أُعدم على يد “عصابات الجولاني”.
وفي غضون ساعة، انتشرت منشورات متطابقة بنفس الصياغة والصور عبر منصة إكس، مستغلة خوارزميتها لجذب المزيد من الاهتمام. ونفت الكنيسة الحادثة فيما بعد.
ومن الأساليب الشائعة الأخرى التي تستخدمها هذه الحسابات إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة لا علاقة لها بالأحداث الحالية، وتقديمها زوراً على أنها مرتبطة بأحداث حديثة.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2024، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو يُزعَمُ أنه يُظهِر رجلاً يُدمّر تمثالاً للسيدة مريم العذراء، مع مزاعم بأن “عصابات الجولاني” هي المسؤولة.
حظي الفيديو – الذي انتشر بشكل واسع عبر حسابات تم تحديد موقها الجغرافي في العراق تنشر منشورات مؤيدة للقيادات الشيعية – بآلاف المشاهدات.
إلا أن الفيديو يعود في الأصل إلى عام 2013، ولا علاقة له بالأحداث الأخيرة.
مؤشرات على التلاعب المُنسّق
وبحسب “بي بي سي” تظهر هذه الحسابات عدة مؤشرات على التلاعب المُنسّق.
وبعضها ينشر محتوىً متزامناً أو يشارك المنشورات نفسها في التوقيت ذاته، فيما يبدو أنه استخدام لبرامج روبوتية أو حملات منظمة.
يتضح هذا النمط في أسماء المستخدمين، حيث تتبع العديد من الحسابات تسلسلاً رقمياً، مثل “قاصف 1″ و”قاصف 2″ و”قاصف 3”. ويُستخدم هذا التكتيك لإغراق النقاشات بسيل من المنشورات المكررة والموجهة.
علاوة على ذلك، تحمل العديد من الحسابات أسماء تتكون من أحرف وأرقام عشوائية، وهي سمة شائعة في شبكات الروبوتات والحسابات المزيفة.
“شبكة مؤيدة”.
وإلى جانب الحملات الإلكترونية المناهضة للحكومة السورية، رصدت بي بي سي حملة مؤيدة للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، شملت أكثر من 80 ألف منشور من حسابات تركزت في تركيا والسعودية.
تسعى هذه المنشورات إلى تحسين صورة الشرع وتصويره كقائد إصلاحي، باستخدام عبارات متطابقة أو معدلة قليلاً.
وتظهر الشبكة المؤيدة، مثل نظيرتها المناهضة، مؤشرات واضحة على التلاعب الإلكتروني المنسق.
وتنخرط بعض الحسابات في نشاط مكثف ومريب، يثير شكوكاً بشأن الأتمتة (النشر الذاتي) أو حملات التأثير المنظمة.
تحريض على العنف ضد الأقليات
وشهدت عدة مناطق في الساحل السوري في مارس/آذار الماضي أحداث عنف استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، وقد وثق “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” بالأسماء مقتل 1169 مدنياً في تلك الأحداث.
وبالرغم من توثيق منظمات حقوقية عدة لحالات قتل وعنف ضد أقليات، إلا أن أبرز الروايات المناهضة للحكومة تضمنت تقارير ملفقة تم تداولها بشكل كبير.
وتحتوي العديد من محادثات التواصل الاجتماعي بشأن سوريا على خطاب تحريضي وانقسام طائفي، وغالباً ما تشهد تصاعداً يتزامن مع أحداث العنف على الأرض.
فقد كشفت بي بي سي عن وجود شبكة من الحسابات تنشر خطاب كراهية وتحريض ضد الطائفة العلوية في سوريا.
ونشرت هذه الحسابات نحو 100 ألف تعليق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وحتى اليوم، تضمّنت عبارات مسيئة ومحرضة ضد العلويين، وحُدِّد الموقع الجغرافي لهذه الحسابات في كل من السعودية وتركيا.
وتستخدم هذه الحسابات مصطلحات ذات طابع تحريضي عند الحديث عن العلويين، من بينها: “النصيرية”، “كفّار”، “الطغمة العلوية”، وغيرها.
وقد وردت كلمة “كفّار” في أكثر من 50 ألف تعليق، في حين تكررت كلمة “مجرمين” في أكثر من 48 ألف تعليق موجه ضد العلويين.
تحريض صريح على القتل ضد العلويين
وتضمّنت هذه التعليقات اتهامات للعلويين بأنهم “مجرمون” و”عصابات”، فيما شملت بعض التعليقات على تحريض صريح على “القتل”.
تتّبع هذه الحسابات نمطاً متطابقاً في النشر، إذ تقوم بنشر منشورات متماثلة خلال فترات زمنية قصيرة، بهدف إغراق المحادثات على منصة إكس بخطابها.
وتستخدم هذه الحسابات، التي يتابع بعضها البعض، لغة ومفردات متكررة في التعبير عن آرائها، مما يشير إلى وجود تنسيق مسبق بينها. كما أن العديد من أسماء الحسابات تتكوّن من مزيج عشوائي من الأرقام والحروف، ما قد يدلّ على أنها حسابات وهمية أُنشئت لغرض محدد، يتمثل في نشر محتوى معيّن بطريقة ممنهجة.
وتقوم العديد من هذه الحسابات بإعادة نشر محتوى من حسابات أخرى، مما يشير إلى وجود تضخيم منسق للروايات المناهضة للعلويين.
الأمر ذاته في جرمانا
في مثال آخر، رصدت بي بي سي سيلاً من المنشورات الطائفية على منصة إكس تحتوي على سرديات تحريضية، بالتزامن مع أحداث العنف التي شهدتها مدينة جرمانا في ريف دمشق خلال أبريل/نيسان الماضي.
وقد كشف تحقيق لبي بي سي عن انتشار دعوات للقتل وخطابات كراهية عبر منصات التواصل خلال أحداث العنف في جرمانا، نُشرت بداية من حسابات داخل سوريا، ثم أُعيد ترويجها من حسابات في دول أخرى، منها العراق والسعودية.
استقطاب طائفي
وفي نيسان/أبريل، شهدت مدينة جرمانا موجة مشابهة من الخطاب الطائفي على “إكس”، رُوّجت من حسابات داخل وخارج سوريا. وأكد رسلان تراد، الباحث في مختبر DFRLab، أن المنصة تحولت إلى ساحة صراع رقمي تعكس الانقسامات الطائفية والسياسية العميقة في المجتمع السوري، وسط مؤشرات على حملات تضليل تخدم أجندات إقليمية ودولية.