آراء وتحليلات

لماذا يفضل اللاجئون قوارب الموت على بلدانهم الغارقة في الأزمات؟ “1”

حسن حسن

من جاكرتا إلى طنجة على متن “قوارب الموت”، يضع شبان وشابات مصائرهم على كف عفريت، من أجل عبور البحار والمحيطات، وصولاً إلى أستراليا وأوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا، التي باتت بمثابة طَوْقِ الخلاص لآلاف المهاجرين غير الشَّرعيين من دول العالم الثالث الإسلامية والإفريقية، والذين يحلمون بحياة آمنة؛ هرباً من وباء بلدانهم الغارقة في الحروب الأهلية والفوضى والفساد والأزمات الاقتصادية التي أفرزتها الأنظمة الشمولية والأصولية القمعية خلال العقود الماضية.

يكاد يكون العاملان، الاقتصادي والأمني، هما أبرز العوامل، التي تدفع الناس للهجرة من بلدانهم الأصلية بشكل عام، ولا تُعَدُّ بلدان المنطقة  استثناءً في ذلك، بل قد تتوفر فيها، أقسى عوامل الطرد، التي تدفع الشباب دفعاً نحو الهجرة، وتبدو الظاهرة في ازدياد خلال الأعوام الماضية بسبب الحروب الأهلية في عدة دول بالمنطقة، وإن كان أخطر أنواعها شيوعاً، هو تلك الهجرة غير الشرعية، بما تمثله من خطر على حياة الشباب الذي يُقدِمُ عليها، إذ لا يكاد يمر شهر دون ورود أخبار عن غرق مجموعات من المهاجرين، على متن ما بات يُعرف بـ”قوارب الموت”، وهي في طريقها بحراً، إلى سواحل أوروبا.

حيتان المتوسط وقروشه تفترس عشرين ألف مهاجر منذ عام 2014

قضى ما يزيد على /20/ ألف مهاجر أثناء محاولتهم عبور مياه البحر المتوسط​ باتجاه دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014 وحتى يومنا هذا.

كثيرون يودون المغادرة، ومستعدون لبيع بيوتهم ومزارعهم وسياراتهم، يبيعون كل شيء، ويخاطرون بكل شيء، المهم أن يرحلوا من هذه البلاد التي تُخيّرِ الشباب بين أمرين أحلاهما مُرٌّ؛ إمّا حمل السِّلاح، قاتلاً أو مقتولاً، أو تحمّل ظروف الفقر والبؤس والظلم والفوضى والتشرّد. طبعاً، هذه المحاولات غير القانونية للهجرة محفوفة بحوادث غرق في عرض البحر، وحوادث الموت جوعاً وبرداً في الغابات، إضافة إلى السَّلب والاغتصاب على يد عصابات تهريب البشر الإجراميّة التي تنشط في دول مثل تركيا وليبيا، وعلى طول خطوط هذه الهجرة غير الشرعية.

قالت المفوضية الأوروبية في وثيقة صادرة عنها، في 30 من سبتمبر/ أيلول 2021، “إن أكثر من /20/ ألف مهاجر لقوا مصرعهم خلال محاولتهم عبور المتوسط​ باتجاه أوروبا”.

وأضافت المفوضية “أن ألفاً و/369/ مهاجراً غرقوا في مياه المتوسط منذ بداية العام الحالي”.

بدأ عدد ضحايا الغرق في البحر الأبيض المتوسط بالازدياد في عام 2013، وسط تفاقم أسوأ أزمة هجرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مع فرار مئات آلاف الأشخاص من الحروب والفقر في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. وخلال سنوات خمس منذ عام 2013 إلى بداية عام 2018 لقي أكثر من /16/ ألف شخص حتفهم في رحلات العبور المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة. وبلغ عدد القتلى والمفقودين في البحر المتوسط /700/ شخص في النصف الأول من عام 2018، وفقاً لأرقام مفوضيّة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

من جهتها وثَّقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، “185 طفلاً لاجئاً لقوا حتفهم في بحر إيجه، الواقع بين تركيا واليونان، خلال عام 2015 فقط، وذلك من أصل /590/ حالة غرق في بحر إيجه”، كل ذلك بسبب استغلال العصابات الإجرامية التركية للمهاجرين، مهربون عديمو الضمير يعرّضون حياة المهاجرين للخطر على متن زوارق بدائية مكتظة وغير صالحة للإبحار.

المهاجرون السوريون ضحايا “الجندرمة التركية” على الحدود

ارتفع عدد السوريين الذين قتلوا برصاص قوات حرس الحدود التركية و(الجندرمة) أثناء محاولتهم عبور الحدود السورية التركية منذ بداية الحرب في سوريا، إلى /540/ حتى اليوم. ومن بين ضحايا رصاص الجندرمة /101/ طفلاً دون سن الثامنة عشر، كذلك /67/ امرأة، هذا عدا مئات الحالات التي لم يتم توثيقها.

وبلغ عدد الجرحى والمصابين ممن تعرضوا لإطلاق نار أو الاعتداء بالضرب من قبل الجنود الأتراك أثناء محاولتهم عبور الحدود /1367/ شخصاً.

الفرق بين اللاجئ والمهاجر

رغم أن لفظتي “لاجئ” و”مهاجر” كثيراً ما تُستخدمان بالتبادل لدى العامة، إلا أن هناك فروق جوهرية بين المصطلحين.

اللاجئ

وفقاً لاتفاقية عام 1951 بشأن اللاجئين، يُعَرَّف اللاجئ على أنه كل شخص “يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد، لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك”.

المهاجر

رغم أنه لا يوجد تعريف متفق عليه قانوناً للمهاجر، إلا أن الأمم المتحدة تعرّف المهاجر على أنه “شخص أقام في دولة أجنبية لأكثر من سنة؛ بغض النظر عن الأسباب، سواء كانت طوعية أو كُرهيّة، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة للهجرة، سواء كانت نظامية أو غير نظامية”. إلا أن الاستخدام الشائع للفظة؛ يتضمن أنواعاً محددة من المهاجرين قصيري الأجل، وكمثال على ذلك عمال المزارع الموسميين الذين يسافرون لفترات قصيرة للعمل بزراعة منتجات المزارع وحصادها، مثلما كان مئات الآلاف من العمال السوريين يهاجرون إلى لبنان للعمل في مواسم الفاكهة والحمضيات قبل العام 2011.

أرقام رسمية وثّقتها الأمم المتحدة

في عام 2017، أعلنت الأمم المتحدة وصول عدد المهاجرين في العالم إلى /258/ مليون شخص، بينما بلغ عددهم نحو /173/ مليوناً في عام 2000.

ونوّهت إلى أن نسبة المهاجرين من سكان العالم أعلى بقليل من المسجلة على مدى العقود الماضية، أي ما يزيد على 3.4% في عام 2017، مقارنة مع 2.8% في عام 2000، و2.3% في عام 1980.

وأشارت إلى وجود حوالي /68/ مليون مشرد قسرياً، بمن في ذلك أكثر من /25/ مليون لاجئ وثلاثة ملايين طالب لجوء وأكثر من /40/ مليون مشرد داخلياً.

وتعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها دول العالم الثالث والحروب والصراعات الأهلية، أبرز ما يدفع المواطنين إلى الهجرة، يضاف إلى ذلك الشعور بالحرمان السياسي، والحرمان من الحق في العيش الكريم، ومغريات الهجرة. ويشكّل الموت والوقوع في يد شبكات الاتجار بالبشر أكثر مخاطر الهجرة غير الشرعية.

التداعيات الخطيرة لازمات اللاجئين

كان لأزمات اللاجئين في جميع أنحاء العالم؛ تأثير تحوّليٌّ على كل جانب من جوانب السياسة والاقتصاد والمجتمعات والدول التي شهدت هذه التحركات السكانية القسرية الضخمة. شهد الشرق الأوسط طوفاناً هائلاً من اللاجئين والهجرة القسرية على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. تفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوجود أكثر من /16/ مليون لاجئ و/60/ مليون نازح في جميع أنحاء العالم اليوم، بما في ذلك طالبو اللجوء والمشردون داخلياً. أنتجت الحروب في سوريا والعراق النصيب الأكبر من اللاجئين في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، لكن الكثير فروا من الحروب ومن الدول الفاشلة في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن ولبنان وغيرها.

رغم أن الدول المجاورة للدول المصدّرة للهجرة؛ واجهت تحديات خطيرة في استيعاب ملايين اللاجئين، إلا أن معظمها استغلت قضية اللاجئين كورقة ابتزاز قذرة للحصول على مكاسب مادية وسياسية. وأبرز مثال على ذلك ابتزاز تركيا الفاضح لدول الاتحاد الأوروبي، حيث برزت دول شمال إفريقيا وتركيا كمراكز عبور رئيسية لتدفقات اللاجئين إلى أوروبا.

يتبع…

الآراء المنشورة في المنصة تعبّر عن وجهة نظر كتّابها

زر الذهاب إلى الأعلى