آراء وتحليلات

“هيئة تحرير الشام” مخلب القط التركي لتأديب الفصائل المتمردة

حسن حسن

بإيعاز وتوجيه تركي؛ دفعت “هيئة تحرير الشّام/ جبهة النُّصرة سابقاً”، فجر يوم الأربعاء، ١٢ أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بأرتال عسكرية ضخمة من مناطق سيطرتها في إدلب، إلى حدود ريف عفرين للتدخّل لصالح ميليشيات “الحمزات” التي تتعرَّض لهجوم من “الفيلق الثالث”، على خلفيّة تورط “الحمزات” وقادتها بتنسيق وتخطيط وإعطاء الأوامر لقتل الناشط “محمد أبو غنّوم” وزوجته الحامل في مدينة الباب، شرقيّ حلب.

وقال مصدر عسكري إن أرتال “تحرير الشّام” وصلت بالفعل إلى جنوبي جنديرس ومدينة عفرين المحتلة، حيث دخلت قواتها عبر معبر “الغزاوية” ووصلت إلى قرى “باسوطة، عين دارا، وقرزيحل”، بعد أن تركت ميليشيا “فيلق الشّام” حواجزها المنتشرة على أطراف قرية ومعبر “الغزاوية”، لمساندة ميليشيا “الحمزات”، فيما تدور اشتباكات عنيفة بين “الفيلق الثالث” و”تحرير الشّام” في قرية “قرزيحل”.

فيما ترد أنباء عن وقوع اشتباكات عنيفة، صباح اليوم الأربعاء، بين تنظيم “هيئة تحرير الشّام” وميليشيا “الجبهة الشّامية” قرب معبر “دير بلوط” بناحية “جنديرس”، في وقت هاجمت فيه “حركة أحرار الشّام الإسلامية” مواقع “الجبهة الشّامية” في “تل بطّال” بريف الباب.

وكان “الفيلق الثالث” بدأ هجومه على ميليشيا “الحمزات” فجر الثلاثاء، سيطر خلالها على مدينة الباب، ثم امتدت الاشتباكات إلى مناطق بريف عفرين، حيث تمكنت ميليشيات “الجبهة الشّامية، وحركة نور الدين الزنكي” من طرد ميليشيا “الحمزات” من قرى جنوبي غربي مدينة عفرين مثل “تلف، كفرزيت، فريريه، بابليت، والباسوطة”.

وانضمت ميليشيا ما تسمى بـ”فرقة السلطان سليمان شاه” التي يقودها محمد الجاسم الملقب بـ”أبو عمشة” والمعروف بولائه لـ”تحرير الشّام” للاشتباكات إلى جانب ميليشيا “فرقة الحمزة”، حيث هاجمت مقرات ومعسكرات “الشّامية” في قرى “أرنده، ومستكا” وقرى غربي ناحية معبطلي في عفرين.

 وكانت ميليشيا “الجبهة الشّامية”، وبمساندة ميليشيا “جيش الإسلام” قد بدأت مساء أمس الثلاثاء، هجوماً عنيفاً على مقرات ميليشيا “فرقة الحمزة” في بلدة “الغندورة” التابعة لمدينة جرابلس وقرية “ليلوه” بريف مدينة الباب، تمكنوا خلالها من بسط سيطرتهم على أغلب المقرات والنقاط العسكرية التابعة للأخيرة.

 بعض الأمثلة السّابقة حول الإيعازات التركية لـ”جبهة النُّصرة” لتأديب الفصائل المتمرّدة:

١ – اشتباكات دارت بين ميليشيات “فيلق الشّام، أحرار الشّام، وجيش الإسلام” المدعومة من تركيا في يونيو/ حزيران 2022، وقعت قرب مدينة الباب، وكانت نتيجتها مقتل ما لا يقل عن /8/ عناصر وإصابة العشرات، وهي اشتباكات دفعت “النُّصرة”، إلى الانتشار في مناطق تابعة لسيطرة ميليشيات “الجيش الوطني”، مما أثار مخاوف من سعيها للتوسع من إدلب حتى عفرين.

٢ – التحرّك ضد ميليشيا “حركة أحرار الشّام الإسلامية”: أحد أكبر فصائل المعارضة، والمنافس الأقوى لـ“النُّصرة”، والتي شاركت في مؤتمر الرياض عام 2015، ورفضت المشاركة في مسار “أستانا”، يناير/ كانون الثاني 2017، وقد نجحت “النُّصرة” في تقويض هذه الحركة ووضعها تحت جناحها وفي حضن تركيا.

٣ – التحرك ضد ميليشيا “جيش المجاهدين”، وهو فصيل وقف مع ميليشيا “حركة أحرار الشّام”، ضد الانضمام إلى محادثات “أستانا”، وتعرض لهجمات من قِبل “النُّصرة” عقب انطلاق محادثات أستانا (كانون يناير/ الثاني 2017).

بالرغم من رفض “حركة أحرار الشّام، و”جيش المجاهدين” الانضمام لمحادثات “أستانا”، كخطوة لعدم اتخاذ موقع العدو من “النُّصرة”، التي ادّعت رفضها لهذه المفاوضات، وأي نتائج تخرج منها، إلا أن الفصيلين لم يَسلَما من هجوم “النُّصرة” بعد هذه المحادثات، حيث أعلن الأخير في بيان له في يناير/ كانون الثاني 2017 أنه بدأ في عملية استئصال لعدد من كبرى الفصائل المقاتلة في ريف حلب وإدلب، بحجة أنها تسببت في سقوط مدينة حلب، ووجود عدد كبير من المُفسدين في صفوفها. وهذه لم تكن المرة الوحيدة لهجوم “النُّصرة” عليها، حيث نجح الأخير في اختراق تلك الفصائل، واستقطاب المنشقين عنها، وهذا ما يثيرُ التساؤل أكثر حول تحريك تركيا “النُّصرة” كمخلب قطٍّ لها، ويفسِّر عدم تدخل تركيا لضبط إيقاع الفصائل المسلحة في إدلب، وكيف أنها سمحت بتدمير حركة “أحرار الشّام” و”جيش المجاهدين” التي موّلتها تركيا ودعمت نفوذها في إدلب سابقاً.

بالإضافة إلى ما سبق، فمُخرجات محادثات “أستانا” عزّزت نفوذ “النُّصرة”، بالرغم من ادّعاء الأخيرة رفضها للمحادثات ومُخرجاتها، إلا أنها – ضمنياً – استفادت من دور تركيا في المحادثات؛ بوضع إدلب ضمن مناطق “خفض التصعيد”، وعزَّزت نفوذ تركيا و”النُّصرة” في المحافظة، ومكَّنتها من استئصال باقي الفصائل الرافضة للمشاركة في هذه المحادثات.

لماذا تحرّك تركيا “هيئة تحرير الشّام، أحرار الشّام، العمشات، والحمزات” ضد “الجبهة الشّامية” رغم أنها من الفصائل المتمردة؟

لأن الجبهة الشّامية:

1 – رفضت المشاركة في مساري أستانا والرياض.

2 – لم ترسل عناصرها إلى ليبيا وأذربيجان.

3 – رغم تعاونها مع المجالس الخدمية والسياسية والإدارية التابعة لتركيا، إلا أنها أقامت مؤسسات أخرى موازية، وعزَّزت استقلاليتها في مناطق نفوذها.

4 – خلافها مع “حركة ثائرون” و”فرقة السلطان مراد” (فهيم عيسى) رجل “دولت بخجلي وسليمان صويلو” الأول في الشمال السوري المحتل.

5 – سعت لتحقيق توازن مع تركيا على حساب الفصائل الأخرى التابعة لتركيا.

6 – الوقوف خلف الاحتجاجات الشعبية ضد كوادر “حركة ثائرون”، وشركة الكهرباء في مدينتي الباب وعفرين وتنظيمها مظاهرات أحرقت فيها الأعلام والرموز التركية، إثر الدعوات التركية للتصالح والتعاون مع النظام.

7 – اتّهامها بالوقوف خلف الاحتجاجات الرافضة لأي عملية عسكرية تركية جديدة ضد مناطق الادارة الذاتية في الشمال السوري.

فالتدخل التركي – منذ البداية – هو لتأديب بعض هذه الفصائل وابتلاع بعضهم لصالح آخرين. فما حصل بين ميليشيا “الحمزات” التركمانية و”الجبهة الشّامية” لم يكن مفاجئاً، إلا أن الصدمة كانت بتسليم فرق عسكرية موالية لأنقرة قرى وبلدات تابعة لها لـ”الجولاني” دون اقتتال، وفتح خطوط اتصال وعلاقات غير متوازنة مع قيادة “تحرير الشّام” نكاية “بالجبهة الشّامية”، والسماح للأول بالهجوم على مواقع الأخير.

كل هذا التحرك، منذ بدايته إلى حين انتهائه، يتم بأوامر تركية، فجميع الفصائل المذكورة تتبع ً لأنقرة و“جبهة النُّصرة” تحركت بأوامر من تركية، كخطوة تأديبية لترهيب الفصائل المتمردة مثل “نور الدين الزنكي” في “الفيلق الثالث” التي ساندت “الشّامية”.

مصلحة غير معلنة

ما ذكرناه سابقاً؛ يؤكد المسعى التركي في تعويم “هيئة تحرير الشّام”، واعتمادها عليها كذراع رئيسي في تحركاتها بسوريا، رغم ادّعائها رفضها لأي تواجد للتنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، إلا أن التحركات التركية الأخيرة لم تقنع أحداً، وإنما بدأ الأمر كترتيب تركي لإعادة تشكيل المشهد في بعض مناطق سيطرتها، وخاصة ضد “الجبهة الشّامية”، حيث كانت تقود تجمُّعاً لقوى ريف حلب الشمالي كله عام 2015، وتشكيلات عسكرية، كحركة “نور الدين الزنكي، وجيش المجاهدين، وحركة حزم”، وتشكيلات أخرى ضد “النُّصرة”، إلا أنها سرعان ما انشقَّت عنها واتجهت نحو الأخيرة، ومؤخراً شهدت العديد من الفصائل انشقاقات وانضمت لـ“جبهة النُّصرة” بإيعاز من تركيا، والهدف من هذا التحرك الالتفاف نحو هذا التنظيم والشروع في تعويمه من خلال الخطوات التالية:

أ – بناء الثقة وابتلاع المعارضة السورية:

فالتحركات التركية الأخيرة لتعويم “جبهة النُّصرة”، وبناء الثقة حولها داخلياً وخارجياً، ليست بخطوة جديدة. فخلال الفترة الممتدة بين 2012 و2015، شرعت “جبهة النُّصرة”، في بناء ثقة المعارضة السورية بها، كخطوة أولى لـ”تنظيم القاعدة” للانخراط مع المعارضة، واستخدام إستراتيجية براغماتية لقبولها ودعمها، كتغيير اسمها إلى “هيئة تحرير الشّام” منتصف عام 2016، وإعلان قطع علاقاتها الخارجية مع “تنظيم القاعدة”، للتغلب على عقبة إقناع المعارضة السورية بأنها “حركة وطنية” وليست “مشروعاً جهادياً” عابراً للحدود.

ومن خلال الإصرار على أجندتها، ومهاجمة وتدمير الجماعات المتنافسة؛ تمكنت “النُّصرة” – ذراع القاعدة في سوريا – من تشكيل دفاع فعّال، أدى لابتلاع العديد من فصائل المعارضة، بدأتها بإنهاء “حركة حزم”، ثم “جيش المجاهدين”، و”حركة نور الدين الزنكي” عام 2018، وفكّكت “جبهة تحرير الشّام” التي كانت تضم تلك الفرق. بالمحصّلة؛ “النُّصرة” قضت على أكثر من 20 فصيل من “الجيش السوري الحرّ”.

إلا أن هجمات “النُّصرة” على هذه الفصائل وابتلاعها لأخرى، غالبا تمت بمباركة تركية، كون أغلبها تعمل تحت أمرة تركيا، ولم تبدِ الأخيرة أي موقف حازم تجاه هجمات “النُّصرة” على مواليها من المسلحين في سوريا، وهذا ما يشير الى رغبة تركيا في تشكيل جسم موحَّدٍ من المعارضة السورية تحت سطوة فصيل واحد “هيئة تحرير الشّام” ورجل واحد “الجولاني” في الشمال السوري.

 ب – دمج النُّصرة عسكرياً:

علاقة تركيا مع فصائل المعارضة تختلف عن “النُّصرة”، فبعض تلك الفصائل منها في حمص، والغوطة، ودرعا، ترتبط بدول إقليمية أخرى، وتراها أنقرة أدواتً لممارسة الضغط عليها وليست أوراقاً بيدها.

الخطة التركية تقوم على أساس ضَمِّ “النُّصرة” إلى ما يسمى “الجيش الوطني في سوريا”، ليصبح القوة الرئيسية، التي تمثل المعارضة عسكرياً، وتحت إمرة الرجل الواحد “الجولاني.

ت – دمج النُّصرة سياسياً:

تحركات تركيا مع الذراع العسكري للمعارضة، لم تختلف عن تحرّكها مع ذراعها السياسي، فهي تحاول معالجة مسألة “النُّصرة”، وتحويلها إلى مجموعة سياسية، كما هو حال “حزب الله اللبناني”. وفي إبريل/ نيسان 2022، بدأت تركيا بعملية واسعة النطاق في أروقة الإئتلاف السوري، تجلّت بفصل /14/ عضواً، حيث رأت أنقرة أنه من الضروري البدء بعمليات تصفية في الإئتلاف من الأصوات غير التركية.

والمشروع التركي حول الإئتلاف، يهدف إلى ربط المعارضة السياسية بمجالس محلية مدعومة من تركيا، بهدف تشكيل جسم معارض متكامل يرتبط بالأرض. وستسعى تركيا فيما بعد إلى ربط هذا الإئتلاف بـ”حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”النُّصرة”، الذي سبق هذا التحرك، بالتسويق لنفسه بدعم تركي، وتوسيع دائرة نفوذه تحت غطاء الأخير، ويظهر تعاونه على الشاشات الغربية في عملية تصفية زعيم داعش المدعو “أبو إبراهيم القرشي/ القرداشي”.

ث – النُّصرة” الورقة التركية الأقوى في التفاوض:

كل ما سبق من مساعي أنقرة؛ يؤكد عمق التعاون بينها وبين “النُّصرة”، وخدمة لمصالحها العسكرية في سوريا، وأنه ذراع أساسي في مناطق نفوذها، بالإضافة إلى كونها امتداد لخدمة مصالحها عبر التفاوض، فهي:

١ – ورقة ضغط على النظام وروسيا في المفاوضات حول مستقبل سوريا.

2 – غطاء يمثل تيار الإسلام السياسي، وورقة أنقرة لتمثيلها مستقبلاً في أي مفاوضات إقليمية ودولية، يسبغ شرعيته على الاحتلال.

٣ – ورقة تركية لتبرير خروجها من إدلب إذا اضطرت، بحجة أن “النُّصرة” جماعة إرهابية، لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، والمعارضة السورية من مدنيين وعسكريين.

٤ – استخدام “النُّصرة” لتعطيل أي حلول تفرضه قوى أخرى لا تحقق مصالحها، وخاصة روسيا.

٥ – تحويل الشمال السوري إلى بؤرة لمسلحي “القاعدة”، لتساوم الجميع على أكثر البؤر السورية خطورة.

إذاً، حتى الآن ترى تركيا أنها مُلزَمة بالتعامل مع “النُّصرة”، حيث لا وجود لتضارب في المصالح بينهما، بل ترى أنقرة أن هذه الجماعة ورقة مهمة، وذراع قوي يمكن ان تستخدمها مستقبلاً في حربها ضد الكُرد أيضاً، وهذا ما أكدته مباركة “الجولاني” القائد العام لـ“جبهة النُّصرة” لأي عملية عسكرية تركية شرق الفرات، واستخدام “النُّصرة” ضد الكُرد، الأمر الذي سيحقق لتركيا هدفين: محاربة الكُرد بجماعات منضبطة أيديولوجيّاً، وإضعاف “النُّصرة” بإدخالها في حرب استنزاف إذا ما رغبت في حل التنظيم.

وأخيرا العلاقة – في النهاية – بين تركيا و”النُّصرة” تحددها المصالح، بعضها متضارب وبعضها منسجم، فكل طرف يرى حاجته للآخر في معاركه المستقبلية، لكن تركيا ترى في هذه الجماعة الحليف الأقوى من بين جميع من تعاملت معه من مسلحين ومرتزقة في سوريا، وجلادٌ تستخدمه في أي وقت للسيطرة على أي موقف لا يناسبها. ومن جانبه “الجولاني”، “يسعى لإنهاء الجماعات الجهادية المتواجدة في إدلب، ليثبت للمجتمع الغربي أنه يقاتل ويكافح المتشددين في شمال غربي سوريا”.

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..

زر الذهاب إلى الأعلى