تقارير

حلب.. عزوف عن الزواج والأسباب اقتصادية وشروط تعجيزية إضافة ل”الخدمة الإلزامية”

طلبات والدته وشقيقاته المتكررة بضرورة إيجاد زوجه له، لم تثنِ “وائل ريحاوي /36عاماً”، عن قراره بالعزوف عن الزواج، فالمهندس والموظف في دائرة الخدمات الحكومية قد أتم عقده الثالث قبل سنوات، وبدا عده التنازلي للوصول لعقده الرابع، لكنه لايزال يعتبر الارتباط بفتاة بشكل رسمي، “جريمة بحقه وحق الفتاة وحق المجتمع”، على حد تعبيره.

ويعتبر المهندس الثلاثيني بأن الزواج بحاجة لمقوِّمات لا يمتلكها ولا يتوقع بأنه سيمتلكها، لذلك اتخذ “قرار الهروب من المؤسسة الزوجية المُثقلة بالأعباء والمسؤوليات”.

ويضيف وائل ريحاوي: ” يجب أن يخرج الزواج من خانة الإلزامية الذي يفرضه مجتمعنا، ليصبح “خياراً” يتخذه الشاب بعيداً عن طلبات الأهل وإلحاح الأسرة”.

ويقول “والدتي وشقيقاتي لازلن يواصلن إصرارهُنَّ على تزويجي، كوني قطعت السنَّ القانوني للارتباط، بحسب رأيهم، طبعاً هم على حق، من وجهة نظر مجتمعية، ولكنهم يرتكبون أكبر الأخطاء، فهل يمكن لشاب مثلي تخطّى مراحل الشباب الأولى ووصل لأبواب سن التقاعد، أن يتزوَّجَ ويكوِّنَ أسرة هو لا يمتلك حتى تكاليف شراء خاتم الخطوبة، هل يُعقل لموظف مثلي يتقاضى شهرياً مبلغ /160/ ألف ليرة سورية مع الحوافز، أن يتقدَّم لخطبة فتاة يعجز حتى عن أخذها في فُسحةٍ لمطعم أو كافيه، فراتبي الشهري بالكاد يكفي لأجور المواصلات”.

ويضيف المهندس الشاب: “عدم سفري كان خطيئة كبيرة لازلت أدفع ثمنها حتى الآن، ولا أريد ارتكاب خطيئة أكبر وأشد وطأة وأُقدم على الزواج وتحمل مسؤوليات لا طاقة لي بها، معظم الشبان في حلب خلعوا فكرة الارتباط من أذهانهم، وكل شاب أعرفه وأصادفه، ومن العذاب الذي يعاني منه؛ يحاول، جاهداً، شَقَّ طريق للسفر هرباً من جحيم الحياة الذي نعيشه، فهل يُعقل أن نتزوَّجَ وننجِبَ أطفالاً ونضعهم في هذا الحجيم ونتركهم يكابدون قسوة الحياة!؟”.

أما “زياد غنّامي/ 27 عاماً”، خريج جامعي قسم لغة عربية ومقيم في حي حلب الجديدة، فقام بفسخ خطوبته قبل أيام، معلناً “طلاقه بشكل نهائي من أي ارتباط”، كما يقول، لـ”حين تأمين مستقبله”.

“زياد” الذي لم يحتمل طلبات أهل خطيبته المتكررة بضرورة “توفير مستلزمات العرس، من مسكن وأثاث وغيرها، فتصاعدت على إثرها الخلافات مع خطيبتي وأهلها، ومَرَدُّها نظرة المجتمع للزواج في مدينة حلب، فالعادات والتقاليد لاتزال على النمط القديم المتعارف عليه، عادات وتقاليد لا تراعي الظروف الحالية، خاصة وأن معظم الشبان، ومنهم أنا، إما عاطلون عن العمل، أو يتقاضون أجوراً زهيدة لقاء عملهم”.

ويضيف بالقول “أعمل في مستودع للأدوية في مدينة حلب، وأتقاضى أجراً شهرياً يصل أحياناً لـ/600/ ألف ليرة سورية، وهذا يعتبر أجراً مرتفعاً قياساً بالأجور التي يتقاضاها الموظفون لدى الحكومة، وعلى فرض أتممت الزواج ووافق أهل خطيبتي على تزويجي دون قائمة الطلبات المتعارَف عليها، فهل أنا قادر بهذا المبلغ تأسيس حياة أسرية؟”، يتساءل “زياد”.

وتنهَّد عميقاً، وقال: “أنا مثل كثير من الشباب لا أملك منزلاً، ويتوجَّب عليَّ استئجار شقة سكنية، وأقل إيجار للشقة بحلب وفي حي شعبي يصل لـ/250/ ألف ليرة سورية شهرياً، وهذا المنزل يحتاج لكهرباء أمبيرات، كون الكهرباء الحكومية غائبة، وهذه تكلفتها بمعدل /150/ ألف ليرة سورية شهرياً ولأمبير واحد فقط، هذا عدا باقي المصاريف وخاصة في حال كان هناك أطفال، فأي طفل رضيع يحتاج شهرياً لـ/300/ ألف ليرة سورية كمصاريف، بعد كل هذا من سيجرأ على الزواج؟”.

بدوره المحامي الشرعي “حسام الدين ورّاق/ 50 عاماً”، يعمل بالمحكمة الشرعية في حلب، يقول لمنصة “مجهر”: “هناك ارتفاع كبير بحالات الطلاق في حلب، ومن أهم أسباب هذا الطلاق، سوء الأوضاع المعيشية، فالإشكالات الأسرية التي تحصل غالباً بسبب الفقر وقلة الحيلة، وطبعاً هناك انخفاض واضح بطلبات تثبيت الزواج، فكل /6/ أو /7/ حالات زواج، يقابلها حالة طلاق، وهذا رقم مخيف، فسابقاً كانت هناك عشرات حالات الزواج مقابل حالة طلاق واحدة”.

ويرى المحامي الخمسيني، أن أسباب عزوف الشبان عن الزواج كثيرة، منها الظروف الاقتصادية ورغبة الشاب بالسفر، “لتحسين وضعه دون أن يكون ملتزماً بزوجة ومسؤوليات”.

ويضيف “أيضاً من الأسباب، العادات والتقاليد التي تفرض شروط تعجيزية أحياناً ولا تراعي الظروف الراهنة، كما أن التحاق نسبة كبيرة من الشبان بالخدمة العسكرية تعتبر من العوامل التي أدت لنتائج كارثية على المجتمع”.

ويوضح المحامي، أن هذه الأوضاع زادت من “نسبة العنوسة” للفتيات ما بين سن /18/ حتى /35/ سنة.

ويقول “نصفهم غير متزوجات، أي نسبة 50٪ ولربما تكون النسبة أكبر، كونه لا توجد إحصائية دقيقة، وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه؛ ستطرأ على مجتمعاتنا تغيرات كبيرة، من الممكن أن تتسبب بخلل كبير بالبنية السكانية والمجتمعية”.

تقرير: سامر عقّاد

زر الذهاب إلى الأعلى