تقارير

الرقابة تضيق الخناق على الأعمال السورية

يعاني صنّاع الدراما السورية في الداخل السوري من مشكلة أساسية تعيق عملهم في البلاد، ألا وهي الرقابة التلفزيونية على الأعمال الدرامية، ولأسباب عدة، منها سياسية أو “مزاجية”. وبجرّة قلم يُنسف عمل سوري كامل يتم التحضير له، لتطفو على الواجهة أعمال شامية، أو ذات محتوى سطحي، بينما يهرب صنّاع الأعمال ذات المحتوى الثقيل إلى خارج البلاد.

“الشامي” من أجل الهروب

قد يتساءل الكثيرون لماذا تَكثُر الأعمال الشامية ويتم تنفيذها بسهولة في سوريا، طبعاً بغض النظر عن طلب هذه الأعمال في السوق وسهولة بيعها للقنوات، إلا أن آلية تعامل الرقابة مع هذا النوع هو أسهل وأسلس بكثير من الأعمال الاجتماعية، ويعود السبب في ذلك إلى أن الأعمال الشامية تدور في حقبتين أساسيتين؛ هما الاحتلال الفرنسي والاحتلال العثماني، وبالتالي لا مجال لانتقاد الحكومة أو إسقاط القصص على الواقع السوري المُعاش، لذا يَعمد كثير من المنتجين للتوجه نحو الأعمال الشامية؛ حرصاً على تجنب المشاكل والمواجهات مع الرقابة السليطة، ولهذا السبب نلاحظ في الآونة الأخيرة وجود عدة أعمال شامية في كل موسم، كنوع من الهروب.

مشاكل وراء الكواليس

تعرّضت مؤخراً العديد من الأعمال السورية الاجتماعية – بالتحديد – لسيف الرقابة المسلول، خاصة النصوص القوية، وقد علمت منصّة “مجهر” ببعضها.

فقد مرت عُشاريّة “وصايا الصبّار” تأليف “فادي حسين” وإخراج “سمير حسين”، بصعوبة شديدة نحو التصوير في سوريا، وذلك بسبب إسقاطات أمنية أو سياسية، بحسب وجهة نظر “الرقابة”، رغم أن العمل يتحدث عن عائلتين تتشابكان فيما بينهما عبر حروب مختلفة يقودها الطمع وحُبُّ السلطة. وعلمت “مجهر” أيضاً أن الشركة المنتجة التي قدَّمت أولى أعمالها في سوريا قد تنأى عن الإنتاج داخل البلاد بسبب الصعوبات التي عانتها، وتتجه نحو لبنان.

كذلك لاقى مسلسل “تحت الرماد” للكاتب “حازم سليمان” والمخرج “عامر فهد” رفضاً قاطعاً في قبول تصويره بدمشق من قبل الرقابة، وقد علّلت رأيها بأن العمل يحمل في طياته فتنة مذهبية طائفية قد تثير المشاكل بين السوريين، علماً أن العمل لا يخلو من ذلك؛ كونه يتحدث عن التطرف الديني، سواءً المسيحي أو الإسلامي، داخل سوريا في فترة التسعينات، ليتناول العمل صراعاً حادّاً بين الدينين في إسقاط على الواقع الحالي. وقد حاول المخرج “فهد”، ولعدة مرات، أن يسترضيَ الرقابة، إلا أن الرفض كان مصير العمل، ليتم تحويله إلى لبنان وتصويره هناك، مع الحفاظ على الهوية السورية للعمل، على أن تلبس “بيروت” عباءة “دمشق”.

ورغم أن المنتج “محمد قبنض” هو من أعضاء مجلس الشعب، إلا أن المسلسل الذي قررت شركته تصويره في دمشق تحت عنوان “أمن دولة” لاقى رفض الرقابة أيضاً، ورغم المحاولات الكثيرة منه في نيل الموافقة والقبول بتصويره بدمشق، إلا أن جهوده لم تفلح. فالعمل الذي كتبه “زهير رامي الملّا” يتحدث عن هجوم لعصابات إرهابية على وفود عربية جاءت لتحضر حدثاً مهماً في متحف دمشق الوطني، ما يجعل بعض عناصر هذه الوفود رهائن بأيديهم وتبدأ عملية تحريرهم. ورغم أن العمل لا يَمَسُّ السلطة؛ إلا أن الرؤية الرقابية كان لها رأياً آخر، خصوصاً أن عنوان العمل “ثقيل”، وقد خرج العمل الذي كان مزمعاً تصويره قريباً من الموسم الرمضاني، على أن يُقَدَّم في اثنتي عشرة حلقة فقط بدلاً من ثلاثين.

هذا غيضٌ من فيضٍ، فما زالت العديد من الأعمال الاجتماعية “تحديداً” تعاني من صَدِّ الرقابة، لِتُهاجر من سوريا وتُصَوَّر في بلد آخر، أو تُلغى نهائياً.

آلية عمل الرقابة

عدة جهات معنية وغير معنية اليوم باتت تُبدي رأيها في النصوص التي تُقَدَّم، وذلك بعد تشكيلٍ جديدٍ للرقابة، كَثُرَ فيها عدد “المتدخّلين” بالدراما، علماً أنه ليس لهم دخل، وبات هناك لكل لجنة قراءً خاصّين بها يبدون آراءهم في العمل ضمن معايير معيّنة سياسية بغالبها وليست فنية. ويحاول المنتجون في كل مرة يلقون فيها الرَّفض؛ أن يسترضوا هذا وذاك من اللجان؛ كي يحاولوا أن يمرّروا عملهم ليُصَوَّر في بيئته السورية، وهو الأمر الذي بدأ يتأفَّفُ منه المنتجون ويسعون بسببه للهروب بأموالهم نحو الخارج، بعد أن كانت سوريا تستقطب سابقاً المنتجين العرب لتقديم أعمال “سورية بحتة”، كالمركز العربي الأردني.

هذه الآلية المشددة ليست وليدة اليوم، بل جاءت تحديداً بعد تصريح سياسي معارض من الكاتب “سامر رضوان” أثناء عرض مسلسله الرمضاني “دقيقة صمت” في عام ٢٠١٩. فبعد أن حقق العمل قفزة نوعية في الدراما السورية وتم تصويره في سوريا، صرَّحَ “رضوان” تصريحاً معارضاً ضد الدولة – وهو في الأصل معروف بآرائه هذه – ما جعل الرقابة تتشدد أضعاف ما كانت متشددة؛ حرصاً على عدم مرور أي مسلسل يحوي حتى لو إسقاطاً سياسياً بسيطاً أو تمويهاً ما، حتى لو لم يكن هذا الإسقاط مقصوداً أو عفوياً.

تحتاج الرقابة التلفزيونية في سوريا اليوم لرفع السقف بشدة لإنجاز أعمال مهمة ذات شفافية وتأثير حقيقي في الشارع، بعيداً عن الأدلجة أو تلميع الفساد أو تصوير البلاد على أنها الجنة المنشودة، رغم وضعها السيء الذي آلت إليه، وهو ما يطالب به في كل مرة وزراء الإعلام السابقين والحاليين والقادمين حتى، لكن يبدو أن الكلام يبقى كلاماً ولا حلول منتجة ناجحة أو مفيدة نراها أمامنا.

إعداد التقرير: كاتيا الحُسامي

زر الذهاب إلى الأعلى