تقارير

حلب ودفع الأموال للحواجز مقابل العبور.. إجراءات ترسيم البضاعة أم إتاوة حكومية؟

خمسون ألف ليرة هو المبلغ الذي دفعه “عبد الغني محمود” (52 عاماً)، لقاء مرور شاحنته الصغيرة المحمّلة بالخضار والفواكه من الحاجز الحكومي الموجود على الطريق الرابط بين حلب وريفها الشمالي.

“محمود” الذي يملك بقالية لبيع الخضار والفواكه في بلدة “دير جمال”، في الريف الشمالي لحلب، لا يُسمح له بعبور الطريق المؤدي إلى بلدته من مدينة حلب دون أن يخضع لإجراءات “ترسيم بضاعته”، كما يُطلق عليها.

ترسيم يُقرّر مبلغه مسؤولو الحاجز بحسب حجم البضاعة ونوعها، على حَدِّ وصف “عبد الغني”، فدون دَفعٍ لن تتاح لأي مواد سواء كانت غذائية أو ألبسة أو أي منتوجات وسلع أن تمر، فيجب أن تخضع جميعها للرسوم المفروضة من قبل الحواجز.

ويضيف الرجل الخمسيني: “بشكل يومي أنقل الخضار والفواكه من سوق الهال في حلب لبيعها في “دير جمال” وغيرها من القرى والبلدات المحيطة، ولكن بسبب انتشار الحواجز على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومناطقنا ترتفع الأسعار بنسبة 20٪على ماهي عليه في حلب”.

ويضيف: “ما أن تصل شاحنتي مدخل حلب الشمالي باتجاه الريف، حتى يبدأ مسلسل الدفع، إذ تبدأ بدفعات تتراوح ما بين /2000/ و/5000/ليرة سورية لكل حاجز، طبعاً هذه الدفعات تأتي تحت بند الإكرامية والتي لا دخل لها بمبلغ الترسيم للحاجز الرئيسي الذي يقع وسط الطريق، فهناك تفرض مبالغ بحسب البضاعة ونوعيتها وكميتها، وتتراوح عادة بالنسبة للشاحنات الصغيرة ما بين /50/ ألف ليرة سورية و/75/ ألف ليرة سورية، وأحياناً تصل إلى/100/ ألف ليرة سورية”.

ويضيف بقوله لمنصة مجهر: “طبعاً المبالغ التي أدفعها يومياً، تقدر ما بين /110/ ألف ليرة سورية إلى /150/ ألف ليرة سورية، وأقوم بإضافتها إلى سعر البضائع، أي أن المستهلك في ريفنا هو من يدفع الثمن”.

لربما كانت المبالغ التي يتكلف بها “عبد الغني محمود” لاتقارن بما يدفعه، “جهاد العثمان” لقاء البضائع التي يجلبها لمحل بيع قطع غيار ومستلزمات الآلات الزراعية الذي يملكه في بلدة “كفرنايا” في الريف الحلبي الشمالي، فأقل مبلغ يقوم بدفعه يتراوح ما بين /4/ ملايين و/6/ ملايين ليرة سورية بشكل أسبوعي، وأحياناً يصل المبلغ لـ/15/ مليون ليرة سورية، بحسب سعر البضائع المدوّنة على الفواتير، كما يقول لـ “مجهر”.  

ويضيف جهاد: “تختلف سعر البضائع ما بين مناطقنا وحلب بسبب الرسوم التي ندفعها للحواجز،كل البضائع التي أجلبها مُعرَّفة جمركياً ولها شهادة منشأ وأحمل تصريحاً من الحكومة بالاتِّجار بها ونقلها، ولكن حاجز الترسيم لا تهمه هذه الأوراق والثبوتيات التي أحملها، المهم هو أن تدفع مبالغ هي أشبه بالأتاوة منها إلى الرسوم”. 

ويتابع بقوله: “نحن لا نأخذ إيصال دفع رسمي ولا نعرف إلى أين تذهب مدفوعاتنا، كل ما نعرفه أنه بإمكاننا عبور الحاجز عندما نسدّد المبلغ الذي يتم تحديده في ساحة الترسيم”.

ويؤكد أن كل البضائع الخاضعة للرسوم ستكون قيمتها أعلى مما هي عليه في مدينة حلب، وأنه “لو أراد أحد جلبها من المدينة بقصد التوفير دون أن يشتريها مني، على سبيل المثال، سيضطر إلى ترسيمها والدفع عليها حتى ولو كانت قطعة واحدة”.

ويذكر أيضاً أن كل المستلزمات والمعدّات التي يجلبها للمشاريع والآلات الزراعية خاضعة للرسم المفروض من الحواجز، ويقول: “المتضرر هنا هم الفلاحون وأصحاب المشاريع الزراعية في هذه الأرياف”.

بينما الصيدلاني “غسان الأحمد” (33عاماً)، صاحب صيدلية في بلدة “أحرص”، في ريف حلب الشمالي، يقول لمنصة “مجهر”: “لا توجد أي استثناءات لأي نوع من السلع بالنسبة للحواجز، فحتى الأدوية وحليب الأطفال التي حاولنا مراراً إعفاءها من الرسوم يتم تقاضي ما تسمى بالرسوم عليها، فعلبة الحليب تصل لـ/35/ ألف ليرة سورية بينما في المدينة سعرها /26/ ألف ليرة سورية، وهذا ينطبق على الأدوية التي تضاف قيمة 6٪ على سعرها بسبب الرسوم”.

ويضيف الصيدلاني: “إلغاء الرسوم أو تخفيفها؛ سيُسهم في تخفيف الأعباء المالية التي تُرهق كاهل وجيوب أهالي ريف حلب الشمالي، خاصة مهجّري عفرين القسريين، الذين فقدوا ديارهم ومصادر رزقهم، وباتوا بين مطرقة الاحتلال التركي وسندان الإجراءات الحكومية، التي تزيد من بؤسهم وشقائهم بسبب الرسوم والضرائب المفروضة على حاجياتهم ومستلزمات حياتهم”.

 وحسبما أفاد سكان من مناطق الشهباء بريف حلب لمراسل “مجهر”؛ فإن جميع السلع والبضائع التي تدخل لمناطقهم وحتى منتوجاتهم الزراعية التي تُرسَل لحلب، خاضعة لنظام الترسيم ودفع الإتاوات التي تُفرض من قبل الحواجز الحكومية، فالحواجز المنتشرة على طول الطرقات الواصلة لهذه المناطق من مدينة حلب، لا تسمح عادة بعبور أي نوع من المواد والسلع، سواء كانت أغذية أو ألبسة أو آلات ومعدّات وحتى الأدوية، الأمر الذي فاقم من حجم معاناة الأهالي في الأرياف الشمالية لحلب.

وتضم مناطق الشهباء بريف حلب الشمالي عشرات القرى والبلدات، والتي يقطنها عشرات الآلاف من مهجّري عفرين منذ سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها عام 2018.

تقرير: سامر عقاد

زر الذهاب إلى الأعلى