تقارير

حرمان الفتيات من التعليم في إدلب.. مستقبل مكبل بالخوف والضياع

لا تزال الكثير من الأسر في إدلب تحرم فتياتها من التعليم، لأسباب اجتماعية أو مادية، فمنهن من اتجهن لأسواق العمل، فيما وقعت أخريات ضحية زواج مبكر، ليتحملن مسؤوليات كبيرة قبل أوانهن، ويجدن أنفسهن عاجزات عن تحملها والتعامل معها في كثير من الأحيان.

“تسنيم الأحمد/ 14عاماً”، تركت المدرسة بعد النزوح، مما أثر على حياتها، وكان السبب في خطف بريق الأمل من عينيها، لتكون نموذجاً لكثير من الفتيات اللواتي شردتهن الحرب، ومنعتهن من متابعة تحصيلهن العلمي. تتحدث “الأحمد” لمنصة “مجهر”،بقولها: “أُجبرتُ على ترك المدرسة بعد أن نزحنا من مدينة “معرة النعمان” بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم “العطاء” في بلدة “حربنوش”، شمالي إدلب، وذلك بسبب فقدان الأمان، وخلوِّ المخيم من أي مدرسة أو مركز تعليمي، فضلاً عن عدم توفر وسيلة نقل أتمكن من خلالها الوصول إلى المدرسة”.

وتشير “الأحمد” أنها ترافق والدتها للعمل ضمن الورشات الزراعية القريبة من المخيم، وعن ذلك تقول: “نعمل لمساعدة والدي في الإنفاق على البيت وتأمين احتياجات الحياة اليومية”.

وتؤكد أن ترك المدرسة شكَّل نقطة تحوّل قاسية في حياتها، حيث غادر الفرح قلبها، وبدأ حلمها الضائع يشكل هاجساً وعبئاً ثقيلاً عليها، وسيطر على حياتها القلق من مستقبل مجهول، بعد أن كانت قد رسمت صورة مشرقة لمستقبلها من خلال متابعة دراستها، وتحقيق حلمها بأن تصبح معلمة، وفقاً لتعبيرها.

وتؤكد “تسنيم الأحمد” بأنها تشعر دائماً بالحنين للمدرسة والصديقات دون أن تفقد الأمل بمتابعة دراستها، وسط محاولات عديدة لإقناع والديها بضرورة متابعة تحصيلها العلمي، ولكن دون فائدة.

أما “عبير البرق/ 18عاماً”، النازحة من قرية “خان السبل”، شمالي “معرة النعمان”، فهي ليست أفضل حالاً، حيث يلازمها شعور باليأس والقهر والإحباط؛ لأنها كانت ضحية زواج مبكر في سن الـ/15/عاماً، دون أن تجد من أهلها آذاناً صاغية لرغبتها في متابعة دراستها، ليكون قدرها المحتوم أن تترمَّل بعد زواجها وحملها بطفلها الأول. وعن معاناتها تقول: “كم هو مؤلم أن تُقتَلَ أحلام الطفولة بسبب ظلم الأهل وقراراتهم الخاطئة، فأنا أواجه متاعب الحياة في الوقت الذي لا تزال صديقاتي على مقاعد الدراسة، كل ذلك بسبب الأعراف والتقاليد البالية التي لا ترى في الفتاة سوى زوجة وربَّةَ منزل”.

وتبين “البرق” أن كل همها في هذه الحياة أصبح تربية طفلها والعمل للإنفاق عليه، دون أن تمد يد الحاجة لأحد.

المعلمة “سماح البركات/ 32 عاماً”، نازحة من مدينة “سراقب” إلى مخيم “كفرلوسين”، شمالي إدلب، تتحدث عن أهمية تعليم الفتيات قائلة: “تشكل المرأة حجر الزاوية في تربية الأطفال وحياتهم، وبالتالي هي من تصنع لهم المستقبل، لذلك يعتبر تعليمها ضرورة ملحة يجعلها أكثر تأهيلاً وإنتاجاً، ويتم توريث هذه المنافع للأجيال الحالية وأجيال المستقبل”.

وتلفت “البركات” أنها لاحظت امتناع الكثير من الأسر عن إرسال بناتهم إلى المدارس، مؤكدة أن هذه المشكلة من أكبر المخاطر التي تلحق بالمجتمع أضراراً كثيرة، إذا ماهُدِمَت هذه المدرسة الصغيرة”.

من جانبها المرشدة الاجتماعية “براءة الدروبي/ 36عاماً”، من مدينة “سرمدا”، شمالي إدلب، تعلق على حرمان الفتيات من التعليم قائلة: “التعليم يحقق ذات الفتاة وشخصيتها، وينمّي مهاراتها الشخصية ويؤدي إلى تمكينها من النواحي العملية والفكرية والاجتماعية، ويضمن مساهمتها في البناء والتنمية، كما أن التعليم يحقق لها الاستقلال الذاتي”.

وتبين “الدروبي” أن العادات والتقاليد تلعب دورها، لكنها تُرجع جزءاً من المسؤولية للظروف السيئة التي أجبرت الكثير من الأسر على جعل بناتهم يتركون المدرسة. وعن ذلك تقول: “تَسرُّبُ الفتيات من المدارس كان موجوداً سابقاً، ولكن نسبته ارتفعت في الآونة الأخيرة بسبب عوامل عدة منها الفقر وفقدان الأمان، وصعوبة التحاق الفتيات بالتعليم أحياناً بسبب بُعدِ المدارس عن أماكن السكن”.

وتؤكد “الدروبي” بأن الكثير يؤمن بأن الأمومة أولوية في حياة المرأة، ولكن مما لا شك فيه أن تعليم المرأة يقدم مساهمة فعالة في إنجاح مهمتها التربوية كأم، من خلال مراقبة نمو أولادها الجسدي السليم ومساعدتهم في دراستهم، ومن خلال تقديم الدعم العقلي والمعنوي، وتوفير المناخ الثقافي لهم، وإرشادهم إلى المطالعة والبرامج المفيدة لثقافتهم”. وتبين “الدروبي” أنه كلما ارتفع مستوى التعليم لدى الفتاة، كلما زادت قناعتها بحقها في العمل والإصرار على ممارسته، لتثبت قدرتها على الاستقلال والنجاح.

وتشير “الدروبي” إلى ضرورة توعية الأسر وتعريفهم بأن التعليم من حق كل إنسان حتى في أقسى الظروف، والفتاة من حقها أن تتعلم وتعيش حياتها الطبيعية وتتمتع بطفولتها.

إعداد: مريم الغريب

زر الذهاب إلى الأعلى