تقارير

يخفون وجوههم حرجاً.. طلبة جامعيين يضطرون للعمل في أعمال النظافة

السلمية – مجهر

قد يكون مشهد “عمال النظافة” وهم يقومون بعملهم في أي مكان مشهداً عادياً بالنسبة للسكان، لكنه ليس كذلك بالنسبة لأهالي مدينة السلمية بريف حماة، التي ينتشر ضمنها عشرات الشبان والشابات “الملثمون” من طلبة الجامعات، بكماماتٍ ونظاراتٍ سوداء وقبعاتٍ كبيرة تخفي ملامحهم خوفاً من أن يعرفهم أحدٌ ما أثناء عملهم.

“سهيل” اسم مستعار، أحد أولئك الشبان الذين يعملون بعقودٍ يومية مع مؤسسة “الآغاخان” والبلدية، ضمن برنامج مشترك لتنظيف شوارع المدينة، ويتقاضى أجراً وصفه بـ “الممتاز” لقاء ذلك.

يقول سهيل (23 عاماً): “العمل ليس بعار وتحديداً هذا النمط من الأعمال، لكن هناك فجوة حقيقية أشعر بها، بين اختصاصي الدراسي، وعملي مع ورشات جمع القمامة، فالمنطق يقول أن أعمل بنفس تخصصي كحقوقي، وأن أجد مكان وبيئة عمل تشبهني، ومناسبة لي”.

ويرتدي سهيل وزملاءه في العمل أوشحة وأغطية إلى جانب النظارات والكمامات، خشية معرفتهم من قبل المارّة من أصدقائهم أو معارفهم.

“لطالما تخيلت عملي كمحامٍ، أرتدي بذلةً رسمية ووشاحاً أحمراً كالذي يرتدونه في المحاكم لأمارس ما حلمت به منذ طفولتي، لكن سخرية القدر أوصلتني لأن أرتدي لباساً يخفي ملامحي الخجولة عند مرور أي شخصٍ أعرفه، أو يعرف مقدراتي وحجم أحلامي”، يقول الطالب الجامعي لـ مجهر.

ويحاول “سهيل” تقليل فرص لقائه مع أي شخصٍ يعرفه، فيخرج مع زملائه للعمل في ساعات الصباح الباكرة أو في الساعات المتأخرة من الليل، حينها تكون حركة سكان المدينة أقل وفرص لقائه بأشخاص يعرفهم كذلك، خاصة أنه يخفي عمله بهذه الورشات عن أهله، خوفاً من أن يتسبب بحزنهم وإحراجهم على حد سواء، وفق وصفه.

ويقبض العاملين في ورشات النظافة أجر يومي يبلغ 30 ألف ليرة سورية لقاء 4 ساعات متواصلة من العمل، ما يساهم في تغطية تكاليف الدراسة والسفر بين المدينة والجامعة.

روح الدعابة والفطنة التي يمتلكها “سهيل” تخفف من قسوة الواقع الذي يعيشه، فهو يمتهن المحاماة حتى أثناء عمله بهذه الورشات، فتراه يرافع عن زملائه بقضايا جمع القمامة ونبشها، التي يجرمها “قانون الحكومة السورية”، ويقدم أعذاراً “كوميدية” لهم بأنها مجرد “هواية” يحبون ممارستها لا أكثر، أو أنهم يبحثون عن بعض الأدوات والمخلفات لبحوثهم العلمية.

الكوميديا التي يخفي عن طريقها “سهيل” وجعه هو وزملائه، لا تستطيع أن تُخفي الوجع عن الباحثين والأخصائيين النفسيين، إذ التقت منصة “مجهر” مع الأخصائي النفسي المقيم في مدينة سلمية “معن الأحمد”، لمعرفة تأثير هذا العمل وطريقة ممارسته على أصحابه.

يقول الأخصائي أنه بالرغم من أن العمل له مردود مالي جيد، لكن له آثار نفسية خطيرة على أصحابه، خاصةً أن أغلبهم من حملة الشهادات الجامعية والمثقفين، إذ يتسبب بوجود فجوة كبيرة بين إمكانياتهم وواقعهم، لذلك يحاولن الهروب منه عن طريق تغطية وجوههم وإخفائها.

أما عن الآثار النفسية غير المباشرة، فيعتقد “الأحمد” أن “البعض قد يصل به التأثير لترك اختصاصه وعمله الأساسي وفقدان الثقة بذاته، وهو أمر طبيعي، في حالات كهذه، وخاصة أن طالب الجامعة سيرى أن تحصيل المال سيكون أسهل وأسرع بهذه الطريقة من تحصيله بعد التوظيف حال التخرج من الجامعة، مما يتسبب بتراجع رغبته بالتعلم دون أن يشعر بذلك”.

أشخاص يرافقون سهيل في هذه المهنة يقولون أن “ما يقومون به أمر قد لا يحتاج لتغطية وجوههم أو الخجل منه، لكن هذا الأمر يطرح تساؤلات حول المسؤول عن مستقبل هؤلاء الشباب بعد أن وصلوا لدرجة يغطون أوجههم خجلاً لعملٍ بعيد عن مهنتهم الأساسية فقط ليسد احتياجاتهم”.

ومع دخول الأزمة السورية عامها الحادي عشر، تتضاعف أوضاع سكان الداخل السوري المعيشية سوءاً، وسط تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وتدني أجور العمال. إذ صنف موقع Numbeo دخل الفرد في سوريا بأنه الأدنى في العالم، وجاء في تقرير الموقع أن متوسط دخل الفرد في سوريا عام 2021، بلغ حوالي 768 ألف ليرة سنويًّا.

إعداد: نبيل المير

زر الذهاب إلى الأعلى