آراء وتحليلات

الجامعات والورشات الخاصة.. هل تخرّج ممثلين بحق؟

كاتيا الحسامي

يُخَرِّج المعهد العالي للفنون المسرحية مجموعة من الطلاب كل عام، يُقَدَّرُ عددهم بين /12/ و/25/ طالباً في كل دفعة، ويتجهون نحو سوق العمل، ليُصدَموا بالواقع المحيط بهم، فلا سوق قادرة على احتواء كل الخريجين، وليس هناك إنتاج حالي يستطيع أن يضمن لهم عملاً جيداً أو دوراً مميزاً، وعلاوة على ذلك يأتي افتتاح ورشات وجامعات خاصة لتدريس التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، فهل هذه الورشات والجامعات قادرة على تقديم ممثلين مميزين؟

عروض الورشات والجامعات الخاصة

منذ مدة شهر تقريباً، قدّم طلاب الدفعة الأولى للتمثيل من خريجي الجامعة العربية الدولية عرضاً مسرحياً بعنوان “سفربرلك” على مسرح “الحمراء” في مدينة دمشق، العرض كان بإشراف الدكتور “عجاج سليم”، وهو مأخوذ عن نص لـ”ممدوح عدوان”.

ورغم أن السينوغرافيا في العرض كانت مميزة، إلا أن العرض بأكمله كقصة وتمثيل لم يَرقَ لمستوى طلاب السنة الأولى، فقد كان أغلب الممثلين الخريجين دون المستوى المطلوب، لا صوت واضح، ولا مخارج حروف صحيحة، عدا عن أداء ضعيف للغالبية، وربما يكون هناك طلاب جيدون بين الممثلين، لكن ضياع القصة والازدحام غير المبرَّر الذي كان على الخشبة؛ جعل من الحكاية تائهة ولا يظهر الطالب السيء من الجيد، كما دخلت الموسيقى على الخط من قبل فرقة تعزف على جانب العرض، ما جعل العمل يبدو أنه موسيقي أكثر من كونه تمثيلي.

وفي هذه التجربة يتبين أن الجامعات الخاصة قد لا تكون قادرة على تقديم ممثلين جيدين، بل تسعى لأن ينضم إليها أكبر عدد ممكن من أجل دفع الرسوم.

والفكرة أن الجامعة تعتمد على دكاترة من المعهد العالي للفنون المسرحية أيضاً، وهذا ما يحصل في ورشات ومعاهد أخرى تعتمد على أسماء نجوم مميزين من كتاب ومخرجين، كمعهد “دراما رود” الذي تدرّس فيه المخرجة “رشا شربتجي” في مجال التمثيل، ومجموعة من الأساتذة المتمرسين، وذلك لمدة سنة واحدة فقط.

كذلك الأمر بالنسبة لدبلوم السيناريو، وهذا كله جعل من الورشات تستقبل كثيراً من الطلاب دون منهجية واضحة، وتخرّج أشخاصاً مختلفين قد لا يكونون كفوئين. وللترويج لنشاط المعهد وورشاته؛ دخل عدد من الطلاب سوق العمل، وقاموا بلعب أدوار بطولة، وكان بعضهم جيداً، في حين كان آخرون أقل من عاديين، وهذا ما جعل المنافسة غير عادلة تماماً، لا سيما بعد أخذ هؤلاء الطلاب فرص خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.

من أجل المال

يعاني المعهد العالي للفنون المسرحية منذ سنوات من نقص في كوادره وعدم ترميم الكثير من مسارحه، وهناك إهمال واضح من قبل وزارة الثقافة السورية لهذا الصرح المهم الذي خرَّجَ مجموعة من النجوم الكبار الذين حملوا اسم سوريا أينما حلوا. عدا عن ذلك؛ فإن الدكاترة والمعيدين الموجودين في المعهد يحصلون على راتب سخيف حقاً قد لا يصل لأكثر من مئتي ألف ليرة سورية.

كل هذه العوامل جعلت من الدكاترة والمعيدين في المعهد يتجهون للورشات والجامعات والمعاهد الخاصة كي يستطيعوا العيش، ومن بينهم “عروة العربي” والفنان “فايز قزق”، و”نسرين فندي”، لأن المبالغ التي يحصلون عليها هناك أفضل بكثير، وهذا حقهم بالطبع، ومَن يُلام هي وزارة الثقافة والجهات المسؤولة التي تجعل من المعهد ضعيف البنية، خصوصاً أن الكثير من الأسماء التي تخرجت منه مؤخراً ليست بمستوىالممثلين الجيدين كلياً، ما يعني أن هناك تفاوتاً في اختيار الطلبة وواسطات أيضاً، وهذا معروف لدى الكثيرين من الأوساط الفنية، ومنذ سنوات طويلة، لذا فقد المعهد بريقه بالتدريج مع نقص التمويل، وعدم ترميم المسارح، وهجرة الدكاترة والمعيدين له، وبدأ التوجه نحو خيارات بديلة كالمعاهد والجامعات الخاصة الطريق الأسهل.

كثيرون هم الشباب الذين يحلمون في دخول عالم التمثيل حتى لو لم تكن لديهم مواهب أو قدرات تمثيلية، وهنا تكمن مشكلة الجيل الجديد؛ كونه يريد أن يصبح مشهوراً بأي طريقة، لتأتي هذه الورشات والجامعات والمعاهد لتتيح المجال لهؤلاء الأشخاص بدخول المجال دون أن يكون لديهم بذرة أساسية بالأصل. لكن المشكلة لا تكمن بالجيل، بل باللبِنة الأساسية التي أنشئت عليها هذه الجامعات والورشات، فإن استمرت بهذه الآلية؛ سيكون لدينا كوادر غير مؤهلة بشكل جيد، أو متفاوتة بنسبة كبيرة، علماً أن ورشات التمثيل والجامعات الخاصة هي نظام عالمي ويستحق أن نعتني به ونكرّسه، لكن علينا قبل ذلك أن نبنيه بشكل جيد، لا بشكل عشوائي في التخطيط أو محسوبيات أو بحث عن مال.

زر الذهاب إلى الأعلى