آراء وتحليلات

التغيير الديمغرافي والاستيطان في عفرين “2”

حسن حسن

ب – المرحلة الثانية:

وهي المرحلة التي أعقبت الغزو التركي حتى يومنا هذا (أي بعد مارس/ آذار 2018).

خلال الغزو التركي لعفرين؛ صرحت زوجة الرئيس التركي أردوغان، أمينة، أن تركيا ستعيد توطين /500/ ألف سوري في عفرين، وأن زوجها يعتزم توفير مجال حيوي للاجئين السوريين في تركيا البالغ عددهم ثلاثة ملايين، حسب مزاعم أنقرة، في المناطق الكردية.

 خلال العملية العسكرية التركية رُفقَةَ الجماعات المسلحة التركمانية والإخوانية على عفرين، نزح معظم سكان عفرين (البالغ حينها نحو 400 ألف نسمة) من الهجوم إلى مناطق الشهباء وحلب بحثاً عن الأمان، مما أدى إلى إخلاء المدينة وقراها التي تعرضت للسلب والنهب والحرق على يد الجماعات المسلحة التابعة لتركيا، وذلك على مرأى من عدسات أشهر وكالات الأنباء العالمية، وسرعان ما استوطن مقاتلو المعارضة السورية وعائلاتهم بيوت النازحين، ومن ثم أصبح قدوم المستوطنين الجُدُد روتيناً يومياً.

كانت عائلات المسلحين التركمان والعرب السنة من مناطق ما تسمى بـ”درع الفرات” أول من هرعت واستقرت في أفضل وأفخم الفلل والشقق السكنية ومنازل النازحين الكُرد في عفرين.

في الواقع، كان الرئيس التركي نفسه قد وعد كل مسلح يشارك بالهجوم على عفرين بشقة سكنية، وفسر الكثيرون ذلك بأنه كان يقصد في تركيا، بينما حاول الكُرد جاهدين أن يشرحوا للعالم بأنه يقصد منازلهم.

جاء المستوطنون من مناطق “الراعي، إعزاز، الباب، وجرابلس” ومن داخل تركيا نفسها، واستقروا في مركز عفرين وقرى كفرجنة وشران وراجو وبلبل، حيث احتلوا أفضل البيوت ووضعوا أيديهم على كل ممتلكات السكان الأصليين. تبع ذلك تدفق عائلات مسلحي المناطق الشرقية من فصائل “أحرار الشرقية وجيش وشهداء الشرقية” وقسم كبير منهم عائلات تنظيم “داعش والقاعدة” الإرهابيين واستقروا في عفرين وقرى ناحية جنديرس. كما استوطنت عائلات الفصائل الإخوانية المسلحة من شمال وغربي حلب وإدلب في قرى جنوب عفرين ومركز المدينة وفي بلدات معبطلي وجنديرس وراجو، بينما استوطنت عائلات مسلحي فصيل “سليمان شاه”، وجُلُّهم من “شوايا” ريف حماه الشمالي في ناحية شيخ الحديد.

نقلت ميليشيات “فرقة السلطان مراد” التركمانية الآلاف من عائلات مقاتليها التركمان من منطقة “درع الفرات” إلى ناحيتي “شران وبلبل” الخاضعة لسيطرتها، ثم تم نقل /600/ عائلة نازحة أخرى من مخيم “ألبيل” شرقي إعزاز إلى عفرين وكفرجنة، بالإضافة إلى ما يُقدَّر بنحو /1000/ عائلة تركمانية أعيد توطينها في ناحية بلبل.

قامت تركيا بتوطين التركمان تحديداً في قرى الحزام الحدودي ومركز مدينة عفرين.

بعد استسلام متمردي المعارضة السنية في الغوطة الشرقية في إبريل/ نيسان 2018 وفي ريف حمص الشمالي في مايو/ أيار 2018، تم طرد مقاتلي الفصائل المسلحة التي لم تقبل المصالحات إلى ريف حلب الشمالي على متن الباصات الزرقاء بموجب اتفاقات آستانة سيئة الصيت.

انتهزت تركيا الفرصة لإعادة توطين النازحين في منطقة عفرين، حيث تم أولاً نقل الآلاف من عائلات ميليشيات “جيش الاسلام وفيلق الرحمن” إلى عفرين المدينة و”معبطلي” بشكل رئيسي.

وبحسب إحصاء دقيق غير منشور أجراه المجلس المحلي التابع لتركيا في عفرين نهاية مايو/ أيار 2019، بلغ عدد العرب والتركمان الذين أعيد توطينهم في مدينة عفرين وحدها أكثر من /87936/ شخصاً، ويمثل الوافدون الجدد من الغوطة ومحافظة حلب على التوالي 51٪ و20٪ من هذه المجموعة.

يمكن إضافة هذه الأرقام إلى عشرات الآلاف من العائلات التي فرَّت من القتال في ريف حماة الشمالي وإدلب إلى عفرين مطلع 2020، حيث استقر المقربون من المسلحين والأثرياء في منازل وُهِبَتْ لهم أو استأجروها من المسلحين، بينما سكن النازحون الفقراء في خيم عشوائية على أطراف المدن والقرى.

في عام 2019، شكل المستوطنون العرب والتركمان 70٪ على الأقل من 200 ألف شخص يعيشون في مدينة عفرين والقرى المجاورة وحدها. لكن بعد نزوح سكان إدلب تضاعف عدد المستوطنين والنازحين تقريباً.

عادة ما يقوم قادة المتمردين المسلحين بتأجير أو حتى بيع منازل الكُرد النازحين إلى المستوطِنين المستقدَمين إلى عفرين بمبلغ رمزية، رغم صدور قرارات من المجالس المحلية التابعة للاحتلال التركي التي تحظر ذلك. وتقول مصادر محلية إن متزعِّمَين من “الجبهة الشامية” يمتلكان الآن /300/ منزل وشقة تعود للمهجرين الكُرد والمسنين منهم أيضاً الذين بقوا في منازلهم وطردتهم الجماعات المسلحة منها فيما بعد بالقوة، وذلك ضمن مدينة عفرين.

وبحسب إحصاء ما قبل الصراع السوري بفترة وجيزة، بلغ عدد سكان منطقة عفرين /523258/ نسمة، لكن اليوم، يعيش أقل من عشرين بالمائة من سكان عفرين الأصليين في عفرين وريفها، مقابل ما يزيد عن هذا العدد من العرب السنة والتركمان. وتشير تقديرات المجلس الوطني الكردي إلى /700/ ألف مستوطن ونازح.

“الهيئة الخيرية الإسلامية”.. واجهة التغيير الديموغرافي في عفرين

تزعم المنظمات والجمعيات الخيرية التركية والإسلامية أنها تعمل على “بناء وحدات سكنية لإيواء النازحين”، في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غرب سوريا. ومع ذلك ، فهي واجهة لسياسة تركية ممنهجة للتغيير الديموغرافي لتطهير المنطقة من سكانها الأصليين، بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية لصالح التركمان والمستوطنين المتطرفين الآخرين، الذين يُرهِبون ويعتدون على من بقي أو عاد من الكُرد والعرب من سكان عفرين الأصليين، وينهبون ممتلكاتهم تحت تهديد الخطف والقتل والاعتقال والسلب والتعذيب وحتى الاغتصاب، والتهمة الكيدية جاهزة، ومنها: “العمل ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، والخروج في نوبات حراسة ليلية، وأداء الخدمة العسكرية لدى وحدات حماية الشعب أو القوات الجوهرية، ووجود أقارب لهم ضمن الإدارة الذاتية وقواتها المسلحة، أو التعامل مع القوات الكردية وزرع العبوات الناسفة أو التخابر مع النظام”.

تشهد عفرين اليوم حضوراً كبيراً للجمعيات والمنظمات التركية والخليجية وفلسطينيي ٤٨ وبدعمٍ غير معلن من الاتحاد الأوروبي، لبناء وحدات سكنية بهدف إيواء النازحين، دون أن تفعل الشيء نفسه في منطقة “الراعي” ذات الغالبية التركمانية، مثلاً.

أقيمت حتى الآن العديد من المستوطنات برعاية تركية بالقرب من مدينة عفرين وقرية “المحمدية” وبلدة “جنديرس” وقرية “آفرازيه” وبلدة “معبطلي” وبلدتي “راجو وبلبل” وقرى “كفرجنة، دير صوان، مريمين، شيح الدير، وحج حسنا” وغيرها من المخيمات العشوائية.

يتبع…

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها

زر الذهاب إلى الأعلى