تقارير

“طريق الموت وخداع تجار البشر”.. سببٌ لعزوف سوريين عن الهجرة والعودة إلى موطنهم

شيرين تمو

عادت”شهناز” أدراجها إلى مدينة كوباني، شمال شرق سوريا، برفقة جنازة زوجهاالذي توفي في مطار ليبيا، بعد ثلاثة أشهر من الانتظار لركوب”قارب الموت”.

توجهت”شهناز محمد خليل”، امرأة من مدينة كوباني، وتبلغ من العمر /٢٦/ عاماً، برفقة زوجها”محمد مروان”وبناتها الثلاثة إلى دولة ليبيا قبل ستة أشهر، بغية السفر إلى أوروبا “بحثاً عن حياة آمنة لأطفالها”.

منذ أكثر من عام ونصف تزايدت موجة الهجرة من مدينة كوباني، بعد أن يئس سكانها من إصلاح تداعيات الحرب على المنطقة، فمنهم من وصل إلى أوروبا،ومنهم من قضى حياته في البحر أو الغابات،وقسم عاد أدراجه بعد أن تأكد من خداع تجّار البشر وصعوبة إكمال الطريق.

تقول”خليل”لمراسلة “مجهر”إن المهرّبين “حوّلوا النهر حليباً”، في إشارة إلى تسيير أمور الرحلة خلال أيام،وأنهماعتماداً على كلامهم”قاموا ببيع منزلهم وسيارتهم وصيغتها من الذهب، لتأمين مبلغ كبير لتهريبهم إلى أوروبا من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسط”.

وأضافت “خليل” بالقول “حين وصلنا إلى ليبيا مع عدد من أقربائنا؛بدأت رحلة المتاعب والجوع وسوء الخدمة والرعاية، حيث كنا نقيم في بيت مؤلف من غرفتين يقطنه معنا عشرات العوائل، واستغرق الانتظار ثلاثة أشهر ولم يفِ المهربون بوعدهم لنا بالسفر خلال أيام”.

وتتابع:”أتذكر أننا قضينا عيد الأضحى بأيامه الأربعة دون أكل،كنا نُسكِتُ أطفالنا بالبسكويت، فقد كنا نبقى أسبوع أو أكثر لوحدنا دون أن يُطِلَّ علينا أحد من المهربين ويحضر متطلباتنا،بناتي الثلاثة أصغرهن كانت تبلغ شهرين من عمرها،وأكبرهن /٥/ سنوات،لم تحتملن الجوع وسوء الطقس،فقررنا العودة إلى مدينتنا كوباني”.

أثّر قرار العودة على صحة الزوج “محمد” الذي لم يحتمل الصدمة،تكمل “خليل” سرد قصتها المؤلمة بالقول:”لم يحتمل زوجي “محمد” البالغ من العمر /٦٠/ عاماً، صدمة الوضع بعد أن خسر كل ما يملك للوصول إلى دولة أوروبية،فعجزه عن العمل وسوء الخدمات، والتهديدات اليومية التي نعيشها في مدينتا؛ دفعتنا لسلك طريق محفوفة بالمخاطر،إلا أن الحلم لم يكتمل،وفارق زوجي الحياة في مطار ليبيا قبل موعد إقلاع الطائرة بنصف ساعة”.

تروي “شهناز” تفاصيل الحادثة وكأنها تعيشها للتو،وَجَعُ الحديث يمنعها من المتابعة حيناً لتكمل قصتها بألم الخيبة.

اضطرت”خليل” لإرسال أطفالها مع أقربائها،لتعود بعد أسبوع إلى مدينتها برفقة”جنازة زوجها:”زوجي توفي بسكتة قلبية،شعر بحزن شديد وضيق، لأنه لم يستطع السفر بعد أن خسر كل ما يملك”.

تعيش”شهناز محمد خليل” مع أطفالها في غرفة صغيرة عند والديها،اللذين يسكنان بيت أجرة، فهي فقدت المال والمُعيل والأمل،حالها حال الكثيرين ممن فقدوا أموالهم وأحلامهم على طرق الهجرة.

كما أن هناك من يهاجر، فإن هناك من يُشيّد في الطرف الآخر، وهناك من يحاول للمساهمة في إيقاف الهجرة ولو بدعم مشاريع بسيطة،ليُتَّخَذَ نموذجاً للبقاء والتمسّك بأرض الوطن.

“مروان شيخ بركل”متعهّد بناء من مدينة كوباني ومالك شركة الشباب للتعمير(cyc)،يساهم في افتتاح مشاريع خدمية لخلق فرص عمل والحد من الهجرة بشكل شخصي. ومن ضمن مشاريعه إنشاء مجمّع طبي وفندق “روزيلا” ومعمل للقساطل البيتونية، ومجموعة مشاريع أخرى قيد التنفيذ.

رغم أن هدف المشاريع هو خلق فرص عمل،إلا أن مشاريعه تأثَرت بالوضع الأمني والاقتصادي للمدينة التي تتعرض للتهديد بالاجتياح من قبل الدولة التركية بين الحين والآخر،والقصف المستمر على المدينة يتسبب بركود الحركة التجارية أيضاً.

يقول”شيخ بركل”لمراسلة “مجهر”:”تدنّي قيمة الليرة السورية،وتوقف حركة الإعمار، وقلة فرص العمل، والوضع الأمني، وواقع التعليم والحصار من الطرف التركي، والضغط على الجيل الشاب من طرف النظام السوري ومطالبته بالخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط أيضاً، كل ذلك يشكل ضغطاً نفسياً على المواطن ويدفعه للتفكير بالهجرة”.

يأمل” شيخ بركل” أن تساهم الإدارة الذاتية بوقف نزيف الهجرة عبر دعم المشاريع الخاصة وتخديم المنطقة،التي تخسر مواطنيها.

يسلك الناس ثلاثة طرق غير شرعية للوصول إلى أوروبا،(طريق البحر المتوسط) عبر الجزائر وليبيا،طريق(بيلاروسيا) جواً عبر مطار روسيا،وطريق(تركيا) براً وبحراً عبر البحر الأسود والغابات،وأخطر هذه الطرق هو طريق البحر المتوسط الذي بات شبه متوقف بعد القضاء على بعض المتورطين ضمن شبكة الاتجار بالبشر،وأقل تكلفة لسلوك هذه الطرق الثلاثة يتطلب مبلغ /١٥/ ألف دولار أمريكي للوصول منها إلى أوروبا، إن سلم سالكها طبعاً من مافيات الاتجار بالبشر وغضب البحار والمَهالك في الغابات.

رغم عشرات الضحايا ممن قضوا حياتهم في البحر من مدينة كوباني، وحالات الاختفاء في البحر، وكذلك الخطف، لاتزال موجة الهجرة منها مستمرة،فمنهم من يكمل طريقه وينجح – بالصدفة – بالوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، فيما عشرات العوائل عادت أدراجها إلى المدينة دون إكمال الطريق.

زر الذهاب إلى الأعلى