آراء وتحليلات

شبكات داعش الخفية واستراتيجية ضرب العواصم

محمد محمود بشار

داعش تعود من جديد ولكن هذه المرة، ليس في العراق والشام، وإنما في عواصم ومدن حيوية لدول كانت عصية على مثل هذه الجماعة.

لطالما كانت الغزوات الداعشية تستهدف المناطق ذات الاغلبية الكردية في سوريا والعراق والبعض من المناطق ذات الاغلبية السنية العربية، وحتى بعد القضاء على التنظيم في شهر آذار/مارس سنة 2019 في آخر معاقله في الباغوز بريف ديرالزور السورية وذلك على يد قوات سوريا الديمقراطية وبمساندة كبيرة من التحالف الدولي لمحاربة داعش، مازال التنظيم يتنفس في الخفاء وعبر شبكة من الأعضاء والخلايا المتخفية عن الأنظار ويبدو بأن لديه ما يكفي من الدعم المادي واللوجستي لتنفيذ عملية هنا وتفجير هناك.

إلا أن كل محاولات التنظيم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ضمن الأراضي السورية وكذلك على الطرف الآخر من الحدود في مناطق سيطرة البيشمركة والحشد الشعبي ضمن الأراضي العراقية، كانت محدودة النتائج أو عقيمة أو حتى أنها كانت تشكل عبئاً كبيراً على التنظيم من ناحية فقدان العديد من العناصر المدربة والمشبعة بالفكر التكفيري الذي يتبناه التنظيم.

 وبالتالي لم تحقق كل تلك المحاولات والهجمات الغاية المنشودة بالنسبة للتنظيم.

      كيانات لا دولتية ودول تفوح منها رائحة الموت

حتى إن تمكن التنظيم من ضرب بعض الاهداف، إلا أن تلك العمليات لم تكن تأتي بتلك الضجة الكبيرة إعلامياُ، وذلك لأنها كانت تتحرك في كيانات (لا دولتية)، كمنطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهذه المنطقة تشكل أكثر من ربع الجغرافية السورية، ويتواجد فيها أكثر من خمسة ملايين مواطن سوري، إلا أنها مازالت لحد الآن لم تحصل على أي اعتراف رسمي من قبل دمشق، وكذلك يتم إقصاء ممثلي هذه المنطقة من اللقاءات والمؤتمرات الدولية التي يتم عقدها لمناقشة الازمة السورية وعلى رأس تلك اللقاءات والمؤتمرات، هي جنيف وآستانا.

إما العراق كدولة، فهي دائمة النزف في كل يوم،وهي من الدول التي تفوح منها رائحة الموت، فلا يمر يوم في العراق من دون تفجير أو قتل أو قصف جوي أو مدفعي سواء من قبل دول الجوار أو من قبل جماعات تنشط داخل بلاد الرافدين، فلم تعد عمليات القتل في هذه الدولة تجلب اهتماما إعلاميا. حيث بات العراقي والسوري متشابهان في نشرات الأخبار، فهم تحولوا بفعل أمر الواقع والحروب المستمرة، إلى مجرد أرقام قد لا يتم ذكرها إن كان هناك حروب جديدة في مناطق أخرى من العالم.

      استراتيجية الخروج من العراق والشام والانتشار في العالم

في سوريا والعراق باتت كل هجمات داعش بعد سقوط خلافته، كزوبعة ضمن فنجان، حيث لم يعد التنظيم قادراً على السيطرة على أي أرض مهما كانت مساحتها صغيرة، وبالتالي بات خارج خارطة مناطق النفوذ سواء في سوريا أو في العراق، ولم يعد الرأي العام العالمي والعربي والإقليمي يهتم بتلك الأنباء التي تتحدث عن لغم مزروع على إحدى الطرق هنا أو قنبلة تم وضعها تحت سيارة أحد القادة أو المقاتلين الذين كانوا ومازالوا يصارعون التنظيم ويصرعوه.

لذلك لجأ داعش إلى استراتيجية جديدة، وتقتضي هذه الاستراتيجية بتغيير جغرافية الهجمات واختيار مدن حيوية أو عواصم لدول أخرى.

 وكان الهجوم على مركز كروكوسالضخم في ضواحي العاصمة الروسية موسكو وقبله الهجوم على مدينة كرمان الايرانية بداية تطبيق النهج القتالي الجديد لداعش، الذي لا يميز في عملياته الارهابية بين مسلم أو غير مسلم، فهدفه الأول من هكذا هجمات هو قتل أكبر عدد ممكن، وبالتالي العودة مرة أخرى إلى دائرة الضوء إعلامياُ، وهذا ما تم بالفعل.

      من الذئاب المنفردة إلى مجموعات قاتلة.. تكتيك داعش الجديد

التخلي عن استراتيجية الذئاب المنفردة والاعتماد على الضرب من خلال مجموعات صغيرة في أماكن مزدحمة جدا، وقتل أكبر عدد ممكن من الموجودين من دون التمييز بين هويات الضحايا، هي من أبرز سمات الاستراتيجية الجديدة لعودة داعش.

والمجموعة الضاربة تتكون من أفراد من عدة دول وجنسيات مختلفة، يتم التواصل بينهم عبر وسيط خفي، وذلك الوسيط  قد يكون مجموعة من خلايا داعش غير المعروفين إلا أنهم يمتلكون القدرة على الحركة ولديهم ما يكفي من الأموال والأسلحة والمعلومات، لضرب أي هدف يتم التخطيط له، كما حصل قبل عدة أيام في ضواحي موسكو.

وهي تستفيد من الحروب القائمة بين الدول، كما هو الحال في الحرب الروسية – الاوكرانية، فبمجرد ضرب الروس ستتوجه تلك الخلايا إلى الاراضي الاوكرانية مستغلة الخلاف الحاصل بين الدولتين نتيجة للحرب المستمرة بينهما، ودائما تستغل داعش أي فراغ قد يكون موجودا في الوضع الامني في أي بقعة من هذا العالم، لتتسرب منه إلى الأمكنة التي تريد ضربها.

      إلى أين يتجه العالم بعد تغيير اتجاه التنظيم

القوات الأكثر خبرة في التعامل مع خطر وإرهاب داعش تتواجد في سوريا والعراق في كيان لادولتي ودولة مليئة برائحة الموت، وتلك القوات هي قوات سوريا الديمقراطية التي تمتلك قوات مدربة وبنك كبير من المعلومات الاستخباراتية حول تحرك خلايا التنظيم وهي مدركة تماما لكل الأساليب التي يمكن أن يلجأ إليها داعش، وكذلك الأمر في العراق، تمتلك البيشمركة وفصائل الحشد الشعبي في هذه الدولة التي تفوح منها رائحة الموت، معلومات خطيرة عن الأماكن المحتملة لتواجد خلايا التنظيم ضمن الاراضي العراقية.

ومن سوريا والعراق كانت انطلاقة داعش الاولى وكذلك كانت هزائمه الاولى، وربما يحتاج العالم إلى تحالف جديد يكون قوامه الكيانات اللا دولتية، ولكن هناك خطوات ينبغي لها أن تسبق تأسيس هذا التحالف الجديد ومن بين تلك الخطوات تصحيح العلاقة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية وكذلك حل كافة القضايا العالقة بين بغداد وإقليم كوردستان العراق، وإعادة الثقة بين الحشد الشعبي والعرب السنة في العراق.

وطالما هناك شبكات خفية تعتمد عليها داعش في تطبيق استراتيجيتها وتكتيكاتها الجديدة، فهذا يعني بأن خطر هذا التنظيم الإرهابي قائم ويزداد معه احتمال شن العديد من الهجمات المشابهة لعملية كروكوس الروسية، ولكن قد تكون العمليات القادمة في قلب القارتين الأوروبية والأمريكية ودموية أكثر من الهجوم الذي تم في ضواحي موسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى