آراء وتحليلات

الأزمة السورية.. الغائبة الحاضرة في قمة المنامة

جميل رشيد

كشفت القمة العربية في المنامة، عن خلافات عميقة في مواقف الدول العربية، لجهة القضايا والأزمات التي تعصف بها المنطقة العربية ككل، رغم أن الحرب في غزة أخذت حيزاً كبيراً في كلمات وخطب الزعماء العرب، فيما كانت الأزمة السورية القضية الغائبة الحاضرة في نقاشات ومداولات القادة العرب.

الحضور الرمزي والشكلي للرئيس السوري بشار الأسد وعدم اصطحابه وفداً كبيراً معه إلى القمة، وامتناعه عن إلقاء كلمة في افتتاحية القمة؛ لها دلالاتها ومغازيها التي تتجاوز المسائل الإجرائية، ولا تكشف مثلما روّجت له وسائل الإعلام، بأنه جاء اعتراضاً على المدة التي حددتها القمة بثلاث دقائق فقط لكل زعيم عربي لإلقاء كلمته، وهي لا تعبر عن امتعاض الأسد منها، بقدر ما تعكس مسائل وقضايا خلافية أخرى تتجاوز جدول أعمال القمة برمتها.

تعد مشاركة سوريا في القمم العربية هي الثانية بعد عودتها إلى محيطها العربي واستلامها مجدداً مقعدها في الجامعة العربية، إثر قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات بعد حركة الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وكانت العودة مبشّرة بحدوث العديد من التغييرات في ملف الأزمة السورية، وأولها إنهاء المقتلة التي مر عليها أكثر من ثلاثة عشر سنة، والتوصل إلى حل عربي – سوري يفضي إلى حل مستدام يرضي كل الأطراف السورية. فطرحت الأردن مبادرة “خطوة مقابل خطوة” كمشروع وإطار عربي متكامل لحل الأزمة السورية، وغدت، أي المبادرة، رؤية عربية بعد أن نالت المبادرة موافقة ورضا معظم الدول العربية، وعقدت العديد من الأطراف السورية، وكذلك بعض الدول الفاعلة في الأزمة السورية مثل الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، الآمال عليها في تحقيق انطلاقة جدية للبدء في فك شيفرة المعضلة السورية المستعصية على الحل.

إلا أن العديد من العوامل لم تسعف كلا الطرفين في إنجاز بنود المبادرة الأردنية – العربية، أولها اشتعال الحرب في غزة، وكذلك الدور الإيراني السلبي في سوريا والمنطقة بشكل عام، إضافة إلى تلكؤ الحكومة السورية في تنفيذ التزاماتها حيال المبادرة، مثلاً عدم قدرتها على ضبط حدودها مع الأردن ووقف عمليات تهريب المخدرات التي تتدفق منها لتصل دول الخليج العربي. فرغم أن المبادرة كانت واعدة ووجد السوريين فيها بارقة أمل في تجاوز الأزمة، وتدفق الأموال الخليجية إلى سوريا، لبدء إعمار بلدهم الذي أنهكته الحرب الأهلية، إلا أنها لم تحقق أي نجاح عملي على الأرض.

الفتور العربي وانشغال القادة الحرب بارتدادات الحرب الكارثية في غزة، وقلقهم على مستقبل دولهم، أكثر من اهتمامهم بالمقتلة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، هو هاجس معظم القادة العرب. فتدفق المهاجرين الفلسطينيين من غزة وقذفهم في الدول العربية، ربما يعيد تكرار سيناريو التغريبة الفلسطينية التي حدثت في عام 1948، وليس لدى الدول العربية إمكانية واستعداد لتحمل هذا العبء من جديد، خاصة من جانب ما تسمى بدول “الطوق” حول فلسطين، وهي “مصر، الأردن، سوريا ولبنان”. ورغم أن الحرب في غزة استأثرت بنقاشات الاجتماعات المغلقة للقادة العرب، إلا أن الأزمة السورية أيضاً كانت في صلب تلك النقاشات، إضافة إلى أن الرئيس الأسد عقد اجتماعات ثنائية مع بعض القادة العرب على هامش القمة، رغم أنه لم يترشح عنها أية معلومات، إن كان من جانب الحكومة السورية، أو من القمة بالذات، بل اكتفت بنقل الصور التذكارية، والتي تعبّر عن استمرار التواصل العربي مع سوريا، ومحاولة تقديم الدعم لها في وضع نهاية لأزمتها.

لكن الاجتماع الرباعي الذي عقد قبل انعقاد القمة بأكثر من أسبوع، وجمع مسؤولين كبار من “السعودية، مصر الإمارات العربية المتحدة والأردن”، بخصوص طرح مشروع لحل الأزمة السورية، ربما كان هذا الاجتماع هو الأهم في سياق المحاولات الرامية لإنهاء الأزمة. فرغم أن الاجتماع كان سرياً ولم يُعلن عنه بشكل رسمي ولم تعلق أي من الأطراف المشاركة في الاجتماع عليه وكذلك الحكومة السورية، إلا أن بعض الوسائل الإعلامية سرَّبت نبأ عقده. وطرح المشاركون فيه نقاطاً عملية لوضع الأزمة على سكة الحل، منها:

1 – الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وإخراج كل الميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية.

2 – وقف استهداف المدنيين والقصف بالطائرات المناطق الآهلة بالسكان، وفي أي منطقة كانت.

3 – إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.

4 – إطلاق سراح المعتقلين.

5 – السماح بعودة طوعية للاجئين إلى مناطقهم، دون اعتقال تعسفي ومساءلات أمنية وقضائية.

6 – وقف تغوّل الأجهزة الأمنية بين صفوف السوريين.

7 – محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة السورية.

8 – وقف تصدير المخدرات إلى الدول العربية.

9 – الاستمرار في محاربة الإرهاب.

10 – إحداث تغييرات في بنية حزب البعث والسماح بتعددية سياسية في البلاد.

11 – إجراء تعديلات على الدستور الذي سنته الحكومة السورية في عام 2012.

12 – الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي /2254/ لحل الأزمة السورية.

والشرط الأهم الذي وضعه الاجتماع الرباعي أمام الحكومة السورية وشددت عليه؛ تمثل في البدء بالحوار مع الإدارة الذاتية، للوصول إلى حل سوري – سوري يحافظ على وحدة الأراضي وسلامتها، وبما يحقق عودة الأمن والسلام إلى سوريا، وهي المسألة التي طالما تصر عليها الإدارة الذاتية كمدخل لحل الأزمة السورية، والسعي للتوافق مع قوات سوريا الديمقراطية والتشارك في مكافحة الإرهاب.

مقابل هذه الشروط؛ وعدت الأطراف الأربعة بتقديم جملة من المحفّزات والمساعدات للحكومة السورية، للبدء في عملية حل الأزمة، منها:

1 – المساهمة في إعادة جميع الأراضي إلى السيادة السورية، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها ما تسمى “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً”، وكذلك تلك المحتلة من قبل تركيا، مثل عفرين، سري كانيه/ رأس العين، كري سبي/ تل أبيض، إعزاز، الباب، وجرابلس.

2 – مساعدة الحكومة السورية في إنهاء وحل كل الميليشيات التي تشكلت إبان الحرب، أو إدماجها في صفوف القوات المسلحة السورية.

3 – تحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا، وتدفق الأموال والاستثمارات الخليجية إليها، وانتشال الاقتصاد السوري من أزمته العميقة، وتعافي الليرة السورية.

4 – رفع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، عن سوريا.

5 – وقف الملاحقات القانونية الدولية ضد الرئيس الأسد وعدد من المسؤولين السوريين.

6 – السماح للرئيس الأسد بالترشح للانتخابات الرئاسية لولاية أخرى.

السؤال الذي يتبادر للذهن؛ هل يمكن للحكومة السورية تلبية هذه الشروط، وقبل هذا وذاك؛ هل لديها نية وقدرة في الشروع بإلقاء خطوات جادة في هذا الإطار، وقبول المبادرة؟

في السياسة لا شيء اسمه “مستحيل”، لطالما أن إمكانية إحداث انطلاقة في طريق الحل يبدأ من السياسة وينتهي بها، ولم تفقد الحكومة السورية المبادرة بعد، على العكس تماماً، ستكسب الأخيرة أكثر مما تخسر، حيث لن تخسر شيئاً سوى حالة الفلتان والفوضى السائدة في سوريا، وستتمكن من استعادة هيبة الدولة وسيادتها داخلياً وخارجياً، وتسير نحو إحداث تغييرات ديمقراطية في بنية الدولة السورية، بما يخلق مناخاً لعودة آمنة وسالمة للاجئين الذين قذفت بهم أهوال الحرب في شتى دول العالم، وهم يتشوقون بالعودة إلى وطنهم.

لم يتطرق الاجتماع الرباعي إلى التواجد الروسي في الأراضي السورية، ويبدو أن هناك تفاهمات قد عقدت بين الأطراف الأربعة مع روسيا قبل انعقاد الاجتماع. إلا أن المؤكد أن الاجتماع قد حظي بموافقة غير معلنة من الولايات المتحدة، لطالما أنها لا تزال تتحكم بخيوط اللعبة السياسية والعسكرية في سوريا، ويفهم من بين سطور الشروط والمحفزات التي وضعها الاجتماع، أنها– أي الشروط – تمثل، بشكل أو بآخر، الشروط الأمريكية لحل الأزمة السورية. وعلى ضوء هذه المعطيات؛ ليس من المستبعد أن تبدأ كل من سوريا والولايات المتحدة بالتفاوض، ولو سراً، حول مستقبل سوريا.

فإن كان الرئيس الأسد لم يخطف الأضواء في القمة العربية بالمنامة؛ إلا أن المؤكد أنه أجرى نقاشات مستفيضة مع المسؤولين والقادة العرب حول مضمون الاجتماع الرباعي، فهل ستماطل الحكومة السورية في الانسجام مع بنود ذاك الاجتماع مثلما تعاملت مع المبادرة الأردنية العام الماضي، أم ستلجأ إلى اتخاذ خطوات جادة وملموسة، وهل يمكن اعتبار التغييرات التي أجراها ضمن هيكلية حزب البعث، ولأول مرة وبشكل علني، خطوة في السير على المسار الصحيح؟

زر الذهاب إلى الأعلى