تقارير

الريف يتحول إلى ملاذ أخير لموظفي وعمال المدن السورية

السلمية – مجهر

وسط باحة منزله الطيني، يسقي محمد مازن بعض أنواع الخضرة التي زرعها مؤخراً في بلدته “تل الدرة” بريف حماه، بعد عودته للاستقرار فيها قبل عامين. 

إثر تخرجه من جامعة دمشق عام 2011، قرر المهندس المعماري (32 عاماً) الاستقرار في العاصمة بعد حصوله على فرصة عمل في شركة خاصة.

“الحياة في دمشق كانت مغرية، وتتيح فرصاً من الصعب أن تتحقق في أماكن أخرى، يمكن تلخيص الأمر وفقاً لمعادلة بسيطة مفادها: دمشق + عمل = الكثير من المال”، يقول مازن لـ “منصة مجهر الإعلامية”.

لكن الحال تغير في العامين الأخيرين، سيّما مع الارتفاع الجنوني للأسعار، إذ لم يعد مرتبه الشهري الذي كان يبلغ 900 ألف ليرة كافياً لمواكبة الحياة الباهظة في العاصمة. 

“كان أجار منزلي 400 ألف ليرة. المبلغ المتبقي لم يكف لإعالة أسرتي حتى نهاية الشهر. كل شيء غالٍ هناك”. 

دفعت هذه الظروف مازن إلى العودة مع زوجته وابنهما الوحيد إلى بلدته الواقعة شرق حماة (20 كم)، بعد استقراره في دمشق لنحو 15 عاماً. 

يقول مازن لـ “مجهر”: “لطالما نصحني أبي بالابتعاد عن الريف في حال كنت أرغب بالعمل والاستقرار المادي، لكن الأمر اختلف اليوم، إذ أصبح الريف ملاذنا الوحيد للتخلص من العذاب الاقتصادي الذي بدأت تداعياته بالتأثير على حياة العمال والموظفين في المدن، لتبدأ موجات الهجرة العكسية نحو الريف”.

رغم غياب الخطط الحكومية التي تشجع على العودة إلى الريف، تشهد العديد من المدن السورية “هجرة عكسية” باتجاه الريف، لعدم قدرة السكان على تحمل تكاليف الحياة الباهظة في المدن، وسط تزايد مستويات التضخم مقارنةً بانخفاض تكاليف العيش نسبياً في القرى، ناهيك عن تدني القدرة الشرائية لطبقتي العمال والموظفين الحكوميين إلى جانب تردي الخدمات. 

يصف “مازن” عمله كمهندس معماري بأنه “الأقرب إلى قلبه” لكنه يعتبره حالياً عملاً “غير مجدي مادياً”، وهو ما دفعه لاستثمار كل مدخراته في عمل مختلف يتناسب مع نمط حياته الجديد.

يقول مازن إن عمله الجديد في تجارة المعدات الزراعية يعود عليه بفوائد مادية مقبولة، خصوصاً بعد أن سمح له الانتقال إلى البلدة بتوفير أجور المواصلات والسكن على أقل تقدير، وفقاً له. 

يختتم المهندس المعماري، محمد مازن، حديثه مع منصة “مجهر” بالقول: “الخضروات التي زرعتها في باحة منزلي توفّر نحو 20 بالمئة من قيمة الراتب الذي كنت أتقاضاه في دمشق، لذلك أفضّل الاستقرار في البلدة على العيش في العاصمة، على الأقل خلال هذه الأزمة”.

لا تعتبر قصة “محمد” فريدة من نوعها، إذ أجبرت الظروف الكثير من السوريين على العودة لقراهم وبلداتهم لتوفير الأعباء المالية التي يفرضها نمط الحياة في المدن، والتأقلم مع ظروف العجز الاقتصادي التي فرضتها سنوات الحرب الطويلة.

إعداد: نبيل المير 

زر الذهاب إلى الأعلى