محامون أميركيون لـ”مجهر”: الاعتراف بـ”قسد” كقوة حكومية يضع واشنطن أمام اختبارات قانونية دقيقة

روبين عمر – مجهر
بينما تواصل الحكومة الانتقالية السورية برئاسة أحمد الشرع إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد عقود من الحكم الاستبدادي، يبرز ملف اندماج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” كأحد أكثر القضايا حساسية وإرباكا، ليس فقط محلياً، بل في أروقة القرار الأميركي أيضا.
فرغم الترحيب الدولي الأولي بخطوة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية تحت مظلة وطنية واحدة، إلا أن هذا المسار يضع الولايات المتحدة أمام معضلات قانونية واستخباراتية بالغة التعقيد، في ظل علاقاتها الطويلة مع “قسد” من جهة، وغياب اعتراف رسمي حتى الآن بالحكومة الانتقالية السورية من جهة أخرى.
في هذا السياق، أجرت منصة مجهر مقابلات مع اثنين من أبرز المحامين الأميركيين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والقانون الدولي – آرون ماير وإيرينا تسوكرمان – لتقديم قراءة معمقة للمأزق الأميركي المتشكل.
من القتال ضد داعش إلى شبكة مسؤوليات جديدة
يرى المحامي والخبير القانوني آرون ماير أن الولايات المتحدة تواجه اليوم تحوّلًا جذرياً في طبيعة علاقتها مع قوات كانت تُصنّف حتى وقت قريب كشريك غير حكومي في مكافحة تنظيم داعش.
ويؤكد ماير أن إدماج “قسد” رسمياً في هياكل الحكومة الانتقالية يغيّر موقع المسؤولية القانونية من الفاعلين المحليين إلى السلطة المركزية الجديدة، مما يضع الأخيرة في مواجهة مباشرة مع أي مطالب مستقبلية بالمحاسبة على انتهاكات أو تجاوزات ارتكبتها هذه القوات خلال سنوات النزاع.
وقال ماير لـ مجهر:
- “الولايات المتحدة لم تعد تتعامل مع جماعة مستقلة في شمال شرق سوريا، بل مع قوة عسكرية قد تصبح ذراعاً رسمية لدولة قيد التشكل. وهذا يُلزمها بإعادة صياغة أسس الشراكة من الصفر”.
الشرعية القانونية تصطدم بالواقع السياسي
لكن المسألة لا تتعلق فقط بإعادة صياغة العلاقة، بل أيضاً بقدرة الحكومة الانتقالية ذاتها على فرض سيطرتها الفعلية على هذه القوات. فبحسب ماير، أي اندماج لا تسبقه خطوات عملية على الأرض، مثل تفكيك البنية الأمنية الموازية ومحاسبة منتهكي الحقوق، سيُعدّ مجرد غطاء قانوني لممارسات غير خاضعة للرقابة.
ويضيف:
“إن دمج قسد دون مساءلة سيكرّس ثقافة الإفلات من العقاب التي ورثتها البلاد عن نظام الأسد، ويُفقد الحكومة الانتقالية صدقيتها أمام المجتمع الدولي”.
ثغرات قانونية تهدد استمرار الدعم الأميركي
من جانبها، ترى المحامية الأميركية المتخصصة في الأمن القومي، إيرينا تسوكرمان، أن الإشكال الرئيسي لا يكمن في دمج “قسد” فقط، بل في تبعات هذا الدمج على طبيعة الدعم الأميركي المستقبلي.
وتوضح تسوكرمان أن واشنطن لطالما استندت إلى تفويض قانوني خاص (AUMF) يتيح لها التعاون مع قوات محلية ضد تنظيم داعش، لكن مع دخول “قسد” في جسد الدولة الجديدة، قد تُصبح المساعدات العسكرية الأميركية مخالفة للقوانين الأميركية الداخلية نفسها، مثل قانون “ليهي” الذي يمنع تقديم دعم لوحدات متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان.
التحدي الاستخباراتي: ثقة تحت التهديد
لكن التحدي الأكبر – وفقاً لماير وتسوكرمان – يتمثل في المستوى الاستخباراتي والعسكري من الشراكة. إذ تخشى واشنطن من أن تؤدي إعادة هيكلة “قسد” ضمن مؤسسة عسكرية حكومية إلى اختراقات أمنية، خاصة في حال استمرار النفوذ الإيراني أو الروسي في مناطق مختلفة من البلاد، أو تسرب المعلومات الحساسة إلى أطراف غير موثوقة.
وتحذر تسوكرمان من أن الخط الفاصل بين “الوطنية” و”الاختراق الأمني” رفيع جدًا في الحالة السورية، مشيرة إلى أن بعض الفصائل التي انضوت ضمن الحكومة الانتقالية لها تاريخ في التعاون مع جهات معادية للمصالح الأميركية.
تركيا على خط الأزمة: شريك أم معرقل؟
وفي الخلفية، تلعب تركيا دوراً محورياً لا يمكن تجاهله. فأنقرة، التي ما زالت تعتبر حزب العمال الكردستاني – العمود الفقري لقسد – “تنظيمًا إرهابياً”، قد ترى في أي اعتراف دولي بوجود “قسد” ضمن حكومة شرعية تهديداً لأمنها القومي، ما لم تُضمّن في معادلة التوازنات الجديدة.
وتلفت تسوكرمان إلى أن واشنطن تجد نفسها أمام معادلة مستحيلة: المحافظة على شراكتها مع “قسد”، دون استفزاز حليفتها في الناتو، تركيا. وهو ما يجعل أي خطوة في هذا المسار مرتبطة بجهود دبلوماسية إقليمية دقيقة.
في نهاية المطاف، يشير الخبيران إلى أن الاندماج الكامل لقوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الحكومة الانتقالية قد يُمثّل بداية جديدة لسوريا، لكنه أيضا يهدد بتفكيك التفاهمات التي قامت عليها العلاقة الأمنية بين واشنطن والشركاء المحليين في شمال شرق البلاد.
وما بين ضرورة تثبيت الاستقرار في سوريا الجديدة، ومخاطر الانزلاق في خرق القانون الأميركي، ستكون خيارات واشنطن محدودة وحذرة، وأكثر ارتباطاً بالنتائج الميدانية منها بالشعارات السياسية.