تقارير

جفاف نهر العاصي: أزمة بيئية تهدد الحياة والاقتصاد

مصدر التقرير: DW

كان نهر العاصي في الماضي يشكل جزءًا مهمًا من الحياة اليومية في شمال غرب سوريا، حيث يغذي الأراضي الزراعية ويساعد في ري المحاصيل ويُعيل الحياة البرية المحلية.

لم يكن مجرد نهر؛ بل كان بمثابة شريان للحياة يستفيد منه المزارعون والصيادون على حد سواء في مناطق حمص وحماة وسهل الغاب.

لكن مع مرور الوقت، بدأت مياه النهر تتراجع بشكل ملحوظ. ومع أولى علامات الجفاف، بدأت تظهر آثار الأزمة البيئية على المنطقة.

الجفاف: أسوأ موجة منذ 54 عامًا

أفاد العديد من سكان المنطقة لـ “DW” بأن نهر العاصي يشهد أسوأ موجة جفاف منذ 54 عامًا، حيث انخفض منسوب المياه بشكل مقلق. نتيجة لذلك، بدأ العديد من الأنواع السمكية المحلية، مثل الكرب والسلور والعاشب، في الانقراض بسبب انحسار المياه وارتفاع درجات الحرارة.

في هذا السياق، يوضح المواطن باسم حبابة، وهو صياد من بلدة التمانعة، قائلاً: “تضررت أنواع سمكية كانت تشكل مصدر رزق لنا، مثل الكرب والسلور، والآن أصبحت الأسماك مجرد ذكريات.”

النهر في مواجهة الصيد العشوائي والأنواع الغازية

مع انحسار المياه، اضطر العديد من الصيادين إلى اللجوء إلى أساليب صيد بدائية باستخدام شبكات وصنارات تقليدية في محاولة لاصطفاء ما تبقى من أسماك في النهر. لكن، هذا الوضع يزيد الطين بلة.

كما حذر الخبراء من تهديد الأنواع الغازية، مثل السلور الإفريقي، التي تسهم في تدمير التنوع البيولوجي المحلي. حيث يُفترس هذا النوع بيوض الأسماك المحلية، مما يفاقم الأوضاع أكثر.

وفي هذا السياق، يقول الصياد ماجد عبدو من بلدة جسر بيت الراس: “لم يعد هناك ما نصطاده. الأسماك التي كانت مصدر رزقنا أصبحت شيئًا من الماضي.”

تأثير الجفاف على الزراعة المحلية

بالإضافة إلى تأثيره على الحياة المائية، أحدث جفاف نهر العاصي تأثيرًا كبيرًا على الزراعة في المنطقة. فالمزارعون الذين كانوا يعتمدون على مياه النهر لري محاصيلهم، باتوا يواجهون صعوبة في تأمين المياه الكافية، مما دفعهم إلى تقليص المساحات المزروعة أو ترك أراضيهم بوراً.

وبالنسبة للمزارعين، أصبحت المياه الجوفية المصدر الوحيد المتاح، مما يترتب عليه تكاليف باهظة وأعباء مالية كبيرة.

التهديد الصحي: البحث عن مياه ملوثة

تزايدت المخاوف من أن بعض السكان الذين يواجهون نقصاً حاداً في المياه قد يلجؤون إلى استخدام مصادر مياه ملوثة. هذا الأمر يعرضهم لمخاطر صحية ويزيد من فرص انتشار الأمراض في المنطقة.

الحاجة إلى تدخل سريع: إنقاذ ما يمكن إنقاذه

في الوقت الذي يهدد فيه الجفاف حياة السكان والبيئة في المنطقة، يرى البعض أن هناك فرصًا لإنقاذ نهر العاصي من الانقراض البيئي.

يقول عبد المعين المصري، صياد من قرية قبر فضة: “من الممكن إنقاذ النهر عبر مشاريع طوارئ مائية، مثل ضخ المياه من السدود المجاورة إلى سرير النهر، وإنقاذ ما تبقى من الأسماك.”

كما يتطلب الوضع إطلاق حملات توعية بيئية لحماية النهر من التلوث والصيد الجائر، وهي خطوة حيوية للحفاظ على ما تبقى من النظام البيئي.

أهمية نهر العاصي: ليس مجرد نهر بل جزء من الحياة

يعد نهر العاصي أحد الموارد المائية الأكثر أهمية في المنطقة، حيث يُغذي 58% من الأراضي السورية.

يمد النهر المياه اللازمة للزراعة، خاصة في مناطق إدلب ووادي الغاب، كما يُستفاد منه أيضًا في لبنان وتركيا.

علاوة على ذلك، تشكل ضفاف النهر موطناً للعديد من الكائنات الحية، بما في ذلك الطيور، الزواحف، والحيوانات البرية.

كما تُزرع على ضفافه أشجار الزيتون والعنب، وهو مصدر رئيسي للثروات الطبيعية.

زر الذهاب إلى الأعلى