تقارير

تهديدات تركيا تدفع سوريين للهجرة.. ليختاروا مسارا “متعرجا” تجنبا للمرور عبر تركيا

كان “باران رمضان مسكو”، المواطن الكردي الذي ينحدر من مدينة كوباني شمال شرق سوريا، مختبئاً مع مهاجرين آخرين لأسابيع في مدينة “وهران” الجزائرية الساحلية، في انتظار فرصة لركوب قارب عبر البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى أوروبا.

قبل أيام من بدء “باران”، البالغ من العمر /38/ عاماً الرحلة؛ تلقّى نبأ غرق قارب تهريب يحمل بعض أصدقائه على الساحل الجزائري، لكن الحادثة لم تثنيه عن “حلم الوصول إلى أوربا”، بعيداً عن التهديدات التركية، والفصائل التابعة لها، وبعيداً عن المخاوف من ظهور تنظيم “داعش” من جديد، وفقاً لما جاء في تقرير نشرته وكالة “أسوشيتد برس”.

وتحدث التقرير عن مخاوف السكان الكُرد على وجه الخصوص من التهديدات التركية المستمرة، والتي تسببت مؤخراً بموجة نزوح باتجاه الغرب بحثاً عن الأمان، ولإيجاد حياة أفضل لأطفالهم بعيداً عن تهديدات تركيا.

تجارب سابقة

وتسببت الهجمات التركية على مناطق متفرقة بهجرة غير مسبوقة للكُرد السوريين في وقت مضى، بدأت من مدينة عفرين عام 2018، إذ تسببت تلك الهجمات بهجرة ونزوح داخلي غير مسبوق، فيما وصفت منظمات إنسانية ما جرى في عفرين بأكبر عملية تغيير ديمغرافي في سوريا.

ومن ثم تلتها هجمات على مدينتي سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض والتي تسببت هجمات تركيا والفصائل التابعة لها بذات الأمر عام 2019، وشكلت تهديدات تركيا الأخيرة مخاوف جدّيّة لدى السكان المحليين.

وتشير “أسوشيتد برس” إلى أن “استهداف المنطقة من قبل متشددي تنظيم “داعش” والقوات التركية وجماعات المعارضة السورية من الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب البلاد، دفعت السكان للهجرة”.

وقال، “جوزيف ظاهر”، الأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، وفقاً للتقرير: “إن معظم تمويل التنمية ذهب إلى المدن الواقعة في الشرق السوري”، مشيراً إلى أن “مناطق الشمال، وأبرزها كوباني، تعرضت لتهميش من ناحية تمويل مشاريع التنمية”.

وأضاف “أعطت الأحداث الأخيرة في شمال شرق سوريا سكانها حافزاً إضافياً للهجرة”.

هجمات تركيا السبب الأساسي

 يتذكر “بوزان شاهين”، وهو مهندس من كوباني، غارة جوية تركية الشهر الماضي، وفقاً لما ورد في تقرير “أسوشيتد برس”.

ويقول: “رأيت والدتي ترتجف من الخوف، وتحمل أختي البالغة من العمر /4/ سنوات للحفاظ على هدوئها”.

وأوضح شاهين: “لديَّ بعض الأصدقاء الذين وجدوا طريقة للوصول إلى لبنان عبر مهرّب، والذهاب إلى مكان ما عبر ليبيا”، مضيفاً “لست على دراية بكل التفاصيل، لكنني أحاول أن أرى كيف يمكنني القيام بهذه الرحلة بأمان”.

اختفاء مهاجرين وطرق عديدة لعدم المرور من تركيا

ويواجه المهاجرون مخاطر عدة، إذ اختفى ما لا يقل عن /246/ مهاجراً أثناء محاولتهم عبور غرب البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا في عام 2022، حسبما ذكرت المنظمة الدولية للهجرة.

وفي السنوات القليلة الماضية، لقي آلاف آخرون حتفهم أثناء قيامهم بالرحلة البحرية الخطرة.

و”باران مسكو” المهاجر الذي ينحدر من مدينة كوباني، هو من بين عدد متزايد من الكرد السوريين الذين يقومون بالرحلة إلى أوروبا في مسار متعرّج، يشمل السفر بالسيارة والطائرة عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر، ثم أخيراً بالقارب إلى إسبانيا.

ويقول المهاجرون الكُرد، إنهم يختارون هذا الطريق الدائري لأنهم يخشون “الاعتقال من قبل القوات التركية أو المسلحين المدعومين من تركيا في سوريا إذا حاولوا التسلل إلى تركيا، رغم أن الطريق منها تؤدي مباشرة إلى أوروبا”.

ووفقاً لبيانات وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي “فرونتكس”، عبر ما لا يقل عن /591/ سورياً البحر الأبيض المتوسط من الجزائر والمغرب إلى إسبانيا في عام 2022، أي ستة أضعاف إجمالي العام الماضي.

رشاوي للجنود السوريين

وقال مهاجرون ومهربون، وفقاً لتقرير “أسوشيتد برس”، إن العملية التي تستغرق أسابيع وتكلّف آلاف الدولارات، تديرها شبكة مهرّبين تقدم رشاوي للجنود السوريين لإدخال الناس عبر نقاط التفتيش.

هناك، يقيم المهاجرون عادة في شقق مزدحمة في بيروت لمدة أسبوع تقريباً، في انتظار جوازات سفر عاجلة من السفارة السورية عن طريق وسيط المهربين.

وبعد أن تصبح جوازات السفر في متناول اليد؛ يسافرون إلى مصر، حيث يمكن للسوريين الدخول بدون تأشيرة، ثم يستقلون رحلة أخرى إلى بنغازي في ليبيا التي مزقتها الحرب، قبل الشروع في الرحلة إلى الجزائر عبر شبكة أخرى من المهربين.

ظروف قاسية

وقال المواطن الكردي باران مسكو “ذهبنا في شاحنات صغيرة وسيارات جيب، ونقلونا عبر ليبيا ومن طرابلس والطريق الساحلي، وكنا نبدّل السيارات كل /500/ كيلومتر أو نحو ذلك”.

وخلال الرحلة عبر الصحراء، اضطرّوا إلى عبور نقاط التفتيش التي تديرها مختلف الجماعات المسلحة الليبية.

وقال: “عامَلنا بعض الحراس عند نقاط التفتيش بشكل فظيع عندما عرفوا أننا سوريين، وأخذوا نقودنا وهواتفنا، وأجبرونا على الوقوف في الخارج في الحر لساعات”.

وقال “مسكو” إن جماعة مسلحة اختطفت مجموعة المهاجرين الذين غادروا قبله وطالبت بمبلغ /36/ ألف دولار أمريكي لإطلاق سراحهم.

اعتقال المهاجرين

واتهمت جماعات حقوق الإنسان السلطات الجزائرية باعتقال المهاجرين، وفي بعض الحالات طردهم عبر الحدود البرية.

ووفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، طردت الجزائر أكثر من /13000/ مهاجر إلى النيجر المجاورة لها من الجنوب في النصف الأول من عام 2021.

وعلى الرغم من ارتياحه لوصوله بأمان إلى ألمانيا مع فرصة لإحضار زوجته وبناته إلى هناك، يشعر “مسكو” بالندم على مغادرة كوباني.

وقال: “كنت دائماً أعارض فكرة الهجرة أو حتى النزوح، كلما اضطررنا للانتقال إلى منطقة أخرى بسبب الحرب، كنا نعود إلى كوباني حالما تهدأ الأوضاع قليلاً”.

ولكنه يضيف بالقول: “لقد عشنا بهذه الطريقة مدة /10/ سنوات، ولا أريد أن يعيش أطفالي هذه التجارب، وأن يروا كل تلك الفظائع”.

وتطالب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية المجتمع الدولي بإيجاد حل، للحد من التهديدات التركية المستمرة التي تتسبب بأزمة اقتصادية وبالنزوح، خصوصاً بعد استهداف تركيا لمنشآت خدمية في شمال وشرق سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى