تقارير

زواج السوريات من “المسلحين الأجانب”..عقود شكلية وحقوق ضائعة

مريم الغريب– إدلب

وقعت الكثير من النساء في إدلب ضحايا الزواج من مسلحين أجانب تحت اسم “المهاجرين”، ممن وصلوا إلى مناطق شمال غرب سوريا منذ بداية الحرب السورية بهدف المشاركة في القتال مع المجموعات المسلحة ضد الحكومة السورية. وأقدم هؤلاء المسلحين على الزواج من السوريات تحت مبرّرات عديدة، وهو ما خلّف مع مرور الزمن الكثير من النساء الأرامل وأطفالاً مجهولي النسب، بسبب تحفّظ معظم المسلحين “المهاجرين” عن إظهار أسمائهم الحقيقية، مكتفين بأسماء وهمية، ما كان كفيلاً بضياع مستقبل الأطفال، ووضع الزوجات أمام تحديات ووصمة مجتمعية كبيرة وعميقة.

ظروف الفقر والنزوح دفعت الشابة “سناء الرَّسلان/ 22 عاماً” للموافقة على الزواج من مهاجر “باكستاني”، وفقأً لما قالته، لينتهي زواجها به بعد فترة وجيزة باختفائه المفاجئ.

تقول “سناء” لمنصة “مجهر”: “بعد نزوحنا من مدينة سراقب بداية عام 2020، سكنت مع أسرتي المؤلفة من 9 أشخاص في خيمة واحدة، تفتقد لأدنى متطلبات العيش الكريم، الأمر الذي دفعني للموافقة على الزواج من “مهاجر”، أملاً بالخلاص من حياة الخيام والفقر والتشريد”.

وتؤكد “الرَّسلان” أن زواجها استمر حوالي سنة وشهرين من الزمن، حيث اختفى زوجها فجأة دون أن يترك أي خبر عنه، رغم أنها كانت حينها حامل في شهرها الثامن، وفقاً لقولها.

وتضيف: “جاءت ابنتي إلى الحياة يتيمة لا تعرف شيئاً عن والدها أو عائلته”.

ولفتت “الرَّسلان” أنها تواجه صعوبات كثيرة في تثبيت نسب ابنتها لوالدها، لكن هذا الأمر أصبح مستحيلاً بعد اختفاء زوجها،لأن ما تسمى “المحاكم الشرعية” المنتشرة في الشمال السوري لا تعترف بالزواج من أشخاص مجهولي الهوية، ولا تقرّ بتثبيت نسب الأطفال، لذلك فهم مجرّدون ومحرومون من كامل الحقوق”.

وتردف “الرَّسلان” ودموعها تسبق كلماتها: “ما ذنب هذه الطفلة حتى تُحرَم من جميع حقوقها في النسب والتعلم والرعاية الصحية؟”.

كذلك “روعة الكيّال/ 26 عاماً”، النازحة من ريف حلب الجنوبي إلى مدينة “حارم” شمالي إدلب، تزوجت من مسلح من أصول “أوزبكية”، يُكنّى باسم “أبو همام”، وذلك بعد موت والديها وتحكّم أسرة أخيها بمصيرها، وفق ما قالت.

وتضيف: “أرادت زوجة أخي أن تتخلص من مسؤوليتي بعد موت والديَّ، فسعت لتزويجي من منتسب لإحدى الفصائل، بحجة الخوف عليَّ من أن يفوتني سن الزواج والإنجاب، ولم يكن لدي خيار سوى الموافقة على هذا الزواج،ودون اعتراض”.

وتؤكد أنها أنجبت بعد زواجها طفلين، ثم انتقل زوجها للقتال في ليبيا، ومن هناك انقطعت أخباره عنها.

وتبين “الكيّال” أن زوجها لم تكن بحوزته أي أوراق رسمية أو هوية شخصية، ولم تعلم عنه سوى اسمه الوهمي، مؤكدة أنه رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، بحسب زعمه.

وتلفت “الكيّال” أنها بعد اختفاء زوجها تواجه صعوبة كبيرة في الإنفاق على ولديها وتأمين احتياجاتهم المعيشية.

وتضيف: “اضطر للعمل في محل لبيع الملابس براتب زهيد لا يتجاوز 50 دولاراً أمريكياً؛ لأتمكن من تأمين مصاريف المنزل الضرورية فقط”.

“المال أعمى بصر أبي، فأجبرني على ترك المدرسة للزواج من مسلح أجنبي غريب، يمتلك المال الوفير، لكن النهاية كانت بأنني أصبحت مطلقة بعد زواج فاشل، ومنبوذة في نظر المجتمع أيضاً”. بهذه الكلمات بدأت “رغداء الحجّي/ 19 عاماً” حديثها لمنصة “مجهر”وبهذا الشكل وصفت معاناتها.

تتنهد “رغداء” ثم تضيف قائلة: “كنت في السادسة عشرة من عمري حين أجبرني والدي على ترك مقاعد الدراسة للزواج من مسلح”سعودي”.لقد كان يعنفني باستمرار، حتى انتهى ذلك الزواج بعد ستة أشهر، وقبل أن أحصل على ورقة الطلاق؛ أعلن زواجه من امرأة أخرى”.

من جهتها تتحدث المرشدة الاجتماعية “سوسن الخليف/ 34 عاماً” من مدينة إدلب، عن زواج السوريات من المسلحين الأجانب بالقول: “الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، وغياب الأمان، إلى جانب الجهل وقلة الوعي، كلها أسباب ساعدت في انتشار ظاهرة زواج السوريات من المقاتلين الأجانب، علماً أن الكثير من هذه الزيجات انتهت بالطلاق أو موت الزوج أو اختفائه فجأة، دون أن تتمكن الزوجة من الحصول على حقها أو إثبات نسب أبنائها”.

وتؤكد “الخليف” أن هذا الزواج مآله خطير، “لأن الزواج يجب أن يكون مبنيّاً على العلم والوضوح، ومعرفة الزوجين وتعيينهما، لذا فالجهالة بنسب أحد الزوجين في العقد محرّم شرعاً”.

وتشير “الخليف” أن “معظم هذه الزيجات تتم خارج نطاق المحاكم الشرعية، ومن خلال عقد زواج شكلي يبرمه أحد رجال الدين بحضور شاهدين، وغالباً تتم دون أن يفصح “المهاجر” عن اسمه الصريح، والاكتفاء بالكِنى والألقاب أو الأسماء المستعارة، أو استخدامه أوراقاً ثبوتية مزوّرة، مما يَحرُم النساء من حقوقهن في حال الطلاق أو تخلي الزوج عنهن”.

وفي بداية عام 2018، أعدّت حملة “مين زوجك”، إحصائية هي الأولى من نوعها على مستوى سوريا، وذلك من خلال فرق عمل موزّعة على القرى والبلدات، رصدت من خلالها عدد السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب في محافظة إدلب، فسجّلت 1735 زيجة منذ عام 2013، من بينها زيجات لقاصرات. وقد أنجبت النساء اللواتي تورّطنَ في تلك الزيجات 1826 طفلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى