تقارير

نساء تقدن مشاريع عمل صغيرة لكسب لقمة العيش في إدلب

مريم الغريب–إدلب

دفعت ظروف الحرب وفقدان المعيل الكثير من النساء في إدلب للبحث عن فرص عمل لتأمين مصدر رزق لهن ولعوائلهن، في ظل الفقر والغلاء وتردي الأحوال المعيشية، فمنهن من اتجهن لإنشاء مشاريع عمل صغيرة بهدف الاعتماد على أنفسهن في الإنفاق وتحسين مستوى أسرهن الاقتصادي.

حين فقدت “أحلام المعمار/32 عاماً” من مدينة إدلب زوجها، احتارت في أمرها،وكيف ستتدبر أمورها المعيشية، فقامت لاحقاً بتحويل منزلها إلى مشغل للخياطة، وبدأت العمل بهمَّة عالية، وعن ذلك تقول: “توفي زوجي بداية عام 2020 جراء حادث سير، ووجدت نفسي فجأة دون مُعيل، وضاقت بي الحياة واحترت في كيفية تأمين مصدر رزق يكفيني العوز ويؤمّن لي مصروفي اليومي مع أولادي الثلاثة”.

وتشير “المعمار” إلى أنها بحثت كثيراً عن فرصة عمل، لكن دون جدوى، وعن ذلك تقول: “أنا لا أحمل شهادة علمية ولا أتقن مهنة، لكن العمل أصبح ضرورة ملحة بالنسبة لي”.

وتلفت أن جارتها تُجيدُ الخياطة، فاتفقتا أن تفتتحا شراكة ورشة صغيرة بعد شراء آلات خياطة وبعض القماش والخيوط والكلف الملونة، وعن ذلك تردف بالقول: “استدنت بعض المال من إحدى قريباتي وقمت بشراء آلة خياطة، وكذلك فعلت جارتي التي تتولى مهمة الإنفاق على والدتها المسنة، وبدأنا العمل، حيث كان في البداية مقتصراً على تصليح الملابس المستعملة، وسرعان ما تطوَّر عملنا حين أصبح اسمنا معروفاً في المنطقة”.

وتؤكد أن المشغل يضم اليوم /7/ نساء يتقاسمن العمل، ويقمن ببيع منتجاتهن في السوق المحلي.

وتشير “المعمار” إلى أن الإقبال جيد على ورشة الخياطة، بسبب تفضيل الكثير من النساء للتفصيل والخياطة على الملابس الجاهزة، نتيجة غلاء الأسعار في الأسواق، ورداءة بعض أنواع الأقمشة الموجودة، الأمر الذي جعلهن يفضلن شراء الأقمشة بأنفسهن واختيار التصميم المناسب لهن.

وتؤكد “المعمار” أن العمل كان نقطة تحوُّل في حياتها نحو الأفضل، وتقول: “ما أجمل أن تتمكن المرأة من الاستقلال المادي والاعتماد على نفسها دون الحاجة لأحد”.

كذلك “سلوى العُقَدي/ 41 عاماً”، من بلدة “معرّة مصرين” شمالي إدلب، بدأت مشروعها الخاص بهدف مساعدة زوجها. وتتحدث لمنصة “مجهر” بقولها: “أنا أم لخمسة أطفال وزوجي عامل مياوم بالكاد يتمكن من تأمين احتياجاتنا الأساسية، لذا قررت مساعدته من خلال مشروع صناعة الألبان والأجبان، تلك المهنة التي تعلمتها وأتقنتها من خلال تطبيق اليوتيوب”.

وتلفت “العُقَدي” أن زوجها يقوم بشراء كميات جيدة من الحليب من  مربّي الأبقار يومياً، فيما تقوم هي بصناعة الألبان ومنتجاتها، وبيعها في السوق أو لجاراتها اللواتي يترددن إلى منزلها لشراء ما يحتجن إليه من هذه المنتجات.

وتبيّن “العُقَدي” أنها تربح يومياً حوالي 5 دولارات، الأمر الذي ساهم في تحسين مستوى أسرتها المعيشي، وعن ذلك تقول: “الغلاء يتطلب العمل من قبل أفراد الأسرة جميعهم لتأمين متطلبات العيش الكريم”.

أما “جميلة الحمّادي/28 عاماً” النازحة من ريف حماة إلى مدينة “سلقين”، فقد تعلمت مهنة النسيج وصناعة الاكسسوارات بدافع الشغف وحب الإبداع، والحاجة لتأمين دخل يعينها على تأمين الاحتياجات اليومية لأولادها الثلاثة بعد اعتقال زوجها من قبل عناصر الحكومة السورية. وتقول: “خضعت لدورة تدريبية في صناعة الأعمال اليدوية والشموع والهدايا إلى جانب نسيج الصوف، ولا أجد صعوبة في تسويق منتجات مشروعي الخاص، حيث أعتمد على التسويق الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التعاقد مع محلّات الهدايا لتصريف أعمالي”.

من جانبها المرشدة الاجتماعية “عبير السبع/ 31 عاماً” من مدينة “الدانا” شمالي إدلب تتحدث عن المشاريع النسائية بالقول: “رَفَضت الكثير من النساء الاستسلام للفقر والحاجة، وانطلقن نحو إنشاء المشاريع الصغيرة التي تشكل عصب الحياة في الشمال السوري، وهي جاءت نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة التي تحول دون إنشاء مشاريع كبيرة، إضافة للقصف والدمار الذي يطال معظم القرى والبلدات، وهجرة كثير من أصحاب رؤوس الأموال والخبرات والحرفيين، وغلاء المواد الأولية وفقدانها، وضعف القوة الشرائية”.

وتؤكد “السبع” على ضرورة استهداف منظمات المجتمع المدني للنساءَ بالدرجة الأولى وإيلائها الأهمية، وذلك من خلال إطلاق دورات تدريبية وتأهيلية تسعى إلى تمكين المرأة المُعيلة على وجه الخصوص، ومساعدتها على التحوّل إلى العمل في مجال الصناعات البسيطة التي لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، ويتم تنفيذ هذه المشروعات بشكل فردي أو من خلال مجموعات عمل، وتأمين دعم مادي يمكنهن من إطلاق مشاريعهن الاقتصادية الخاصة، ليتمكنَّ الانتقال من طور الاستهلاك إلى العمل والإنتاج والاستقلال المادي.

في ظل الفقر والنزوح وفقدان السند والمعيل؛ تواجه نساء في إدلب التحديات المعيشية، لكن بعضهن استطعن تحقيق الاكتفاء الذاتي بإطلاق مشاريع اقتصادية، رغم بساطتها.

زر الذهاب إلى الأعلى