تقارير

كسر قيود المجتمع أم الحاجة.. نساء يُشغلنَ مهناً جديدة في كوباني

الصورة: فاطمة علي – إحدى النسوة العاملات

كوباني – مـجهـر

تستقبل “فاطمة” صباحها بتساؤلات وشكاوى الأهالي عن موعد دقيق يمكّنهم الحصول على الخبز، قبل أن تبدأ بتوزيعه في ساعات الصباح الأولى من كل يوم.

/150/ ربطة خبز هي حصّة ” فاطمة محمد علي”، امرأة في العقد الخامس من العمر وأرملة، كما لم تمنحها الحياة فرصة أن تصبح أماً، لتوزعه على أهالي الحي الذي تقطنه، لتجنيّ ربحاً لا يتجاوز ألفي ليرة سورية يومياً.

تسكن “فاطمة” مع أبيها المسن في بيت أخيها مع زوجته وأولادهم الستة، وتضطر أن تعمل لتتحمل قسطاً من مصاريف المنزل وتساعد أخيها في تكاليف علاج أبيهما المريض.

تتذمَّر المرأة الخمسينية من شكاوى الأهالي اليومية حول جودة الخبز وقلَّتِهِ، لكن عملها يقتصر على التوزيع فقط، وتعتبر ذلك من الصعوبات التي تواجه عملها كونها لا تملك حلولاً لمشاكل الناس.

وحالها لا تختلف عن حال معظم النساء اللواتي دخلنَ سوق العمل مجبرات لإعالة أسرهن والمشاركة في الحياة الاقتصادية. حيث أفرزت الحرب السورية وضعاً اقتصادياً متردّياً أجبر الصغير،وقبل الكبير، على العمل.

في حديث لمنصة مجهر، تقول فاطمة :”رغم الأرباح القليلة التي أجنيها يومياً من توزيع الخبز؛ إلا أنني فخورة بعملي كإنسانة فعّالة تساهم في الحياة الاجتماعية، وتمنح نفسها طاقة إيجابية”.

نماذجٌ عديدة من النساء تعمل، منهُنَّ من يدفعهُنَّ شغفهُنَّ بالعمل، وأخريات تجبرهُنَّ الظروف الاقتصادية للعائلة، وكلا النموذجين يعتقدان أنهُنَّ كسرن النمطيّة التي تفرض عليهُنَّ العمل في المنزل فقط.

في سوق التلل المعروف في مدينة كوباني، شمال سوريا، تملك ” صباح موسى”، وهي في العقد الرابع من عمرها، محلاً لبيع الملابس النسائية (العرائس والداخليات)، وتحقق رغبتها بدخول سوق العمل وتحدّي المجتمع الذي كان يعيق عملها منذ عشرين عاماً، حينما كانت تُشغل غرفة صغيرة في منزل والدها لبيع الملابس النسائية.

الصورة: صباح موسى – إحدى النسوة العاملات

تقول “صباح” لمنصة مجهر: “عملي هو تحقيقٌ لرغبتي في ممارسة هذه المهنة التي أعمل بها منذ عشرين عاماً، بالإضافة أنها تحقق لي أرباحاً مادية تكفيني”.

تنطلق “صباح” بين فترة وأخرى بسيارتها الخاصة إلى مدينة منبج لتجلب بضائعَ لمحلها، ولا ترى أن العمل يُشغلَها عن واجباتها الاجتماعية، وتقول: “حين تكونين صاحبة عمل؛ لن يكون هناك رقيب عليك يلزمك بالدوام، وهذا ما دفعني لفتح محل خاص بي”.

تستحضر “صباح” أجواء عمل المرأة قبل عشرين عاماً حين كانت تواجه نظرة المجتمع “عيب النسوان تشتغل“، وتسافر إلى مدينة حلب مصطحبة أحد أخوتها لتجلب بضائع لمحلها الصغير داخل منزل والدها، وتوضّح قائلة: “لم أكن أُبالي بحديث الناس ونظرتهم حول عملي؛ رغم أنني كنت من أوائل النسوة العاملات في كوباني”.

بحسب “صباح”؛ أن الظروف أصبحت مواتية لدخول المرأة مجال العمل الذي ترغبه؛ لتتمكن من الاعتماد على ذاتها مادياً “في ظروف يعجز معظم الرجال عن إعالة أسرهم”، حسب وصفها.

يبقى العمل لدى بعض النسوة وسيلة لإثبات الذات، لذلك تجدهُنَّ يتحدَّينَ ظروفَهُنَّ المنزلية الخاصة لمواظبة عملِهُنَّ ، وترى “صباح” نفسها نموذج لتلك النسوة.

الصورة: اسمهان شيخو – إحدى النسوة العاملات

حال اسمهان شيخو (٣٥ عاماً) لا يختلف عن حال بقيّة النسوة اللواتي دخلنَ سوق العمل.

 لاقت الثلاثينية، صعوبة في إقناع زوجها وأهل زوجها كي تعمل في محل لبيع الحلوى، فلا تزال هناك عوائل تمنع عمل المرأة وتعترض على وقوفِهُنَّ في واجهات المحلّات، وتفضِّل مهناً تُمارَس في المنزل كالخياطة وتزيين العرائس.

“اسمهان” أم لخمسة أطفال، دفعتها الحاجة لممارسة عمل بيع الحلوى في أحد أشهر المحلات في مدينة كوباني، في ظروف باتت فيه إعالة /٥/ أطفال مسؤولية كبيرة لا يمكن لرب المنزل وحده تحملها.

تقضي “اسمهان” عشر ساعات يومياً في عملها، ما يضاعف مسؤولياتها في المنزل عند العودة وتراكم الأعمال المنزلية وتذمر أطفالها من غيابها المستمر، إلا أنه “لا حلول تلوح في الأفق قريباً“، حسب قولها.

توصف “اسمهان” عملها بجملة قصيرة لـ منصة مجهر: “أنا سعيدة بعملي، فقط لو كان الدوام أقصر من ذلك، والراتب أعلى مما أتقاضاه”.

تتقاضى “اسمهان” من عملها /٢٠٠/ ألف ليرة سورية شهرياً، وهو مبلغ لا يمكن الاعتماد عليه لأفراد عائلتها لأكثر من أسبوع، خاصة أن زوجها يعمل أحياناً ويبقى عاطلاً عن العمل في أغلب الأحيان.

ويشير المحامي “مصطفى شيخ مسلم” إلى أنه: “ليس ثمَّة مادة في القانون السوري أو قانون الإدارة الذاتية يمنع عمل المرأة، ولم تُصدَر أية مادة جديدة تجيز عملها”، معتبراً أن القانون يُنصف المرأة في مجال العمل، مقارنة مع بقية حقوقها.

وأوعز المحامي تأخر دخول المرأة سوق العمل واقتصار عملها على المنزل فقط، إنما مردَّهُ العادات والتقاليد والميراث المجتمعي في المنطقة، وأضاف: “إفرازات الحرب، وتدهور الاقتصاد؛ دفع بالمرأة لممارسة مهن كان المجتمع يحصرها في الرجل فقط”.

إعداد: شيرين تمّو

زر الذهاب إلى الأعلى