تقرير لـ “بي بي سي”: سوريون يروون معاناتهم مع الخطف والتعذيب والابتزاز المالي في ظل الإدارة الجديدة

بعد سقوط نظام بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتصريحات إدارة العمليات العسكرية التي طمأنت النازحين ودعتهم إلى العودة إلى منازلهم، عاد نحو 486 ألف نازح داخلي إلى مناطقهم الأصلية غالبيتهم في محافظتي حماة وحلب.
لكن في المقابل، نزح نحو 664 ألف شخص جديد عبر أنحاء البلاد، وفقاً للأرقام التي صدرت عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتقول المفوضية: “إن انعدام الأمن السائد، بما في ذلك الاشتباكات المسلحة وزيادة النشاط الإجرامي، لا يزال يشكل تحديات للمدنيين وقد يؤثر على قرار العودة المحتملة للسوريين خارج البلاد”.
اعتقال بسبب الانتماء الطائفي
يقول حسام شاب ثلاثيني من الطائفة العلوية ويشغل وظيفة مدنية في ريف حمص لـ “بي بي سي عربي”، إن مجموعة من المسلحين الملثمين أخذوه أثناء خروجه من مكان عمله ووضعوه في سيارة واقتادوه إلى مكان مجهول معصوب العينين بذريعة ” مخالفته التعاليم الإسلامية”.
ويقول حسام: “ليست هناك أي مخالفات كما زعموا، لكنني أدركت أنني فريسة لهم أرادوا تصيدي بسبب انتمائي الطائفي. عندما أزيلت العصابة عن عيني لاحقاً، وجدت نفسي في مكان ما تحت الأرض، كانت هناك بعض أدوات التعذيب الحادة وكرباج وآثار دماء”.
ويقول حسام: “طرحوا علي كثيرا من الأسئلة بينما كانوا يضربونني بالكرباج وقضبان الحديد بعد أن طلبوا مني خلع ملابسي. لم تكن الأسئلة تمت إلى التهمة الملفقة بأي صلة، كانت أسئلة عامة لا تدينني إطلاقاً، اكتشفت من خلالها أن خطفي كان سببه طائفي”.
ويضيف: “كانت تفصلني عن الموت دقائق، لولا تلقيهم اتصالاً هاتفياً من أميرهم، الذي طلب منهم إطلاق سراحي”.
ووضح حسام كيف أنه ترك عمله ولا يجرؤ على مغادرة منزله إلا عند زيارة الطبيب، خوفاً من اختطافه مرة أخرى، ويقول لبي بي سي إنه ليس الوحيد الذي جرى إذلاله وتعذيبه بسبب الانتماء الطائفي، بل “هناك قصص آخرين لديهم وضع مماثل من الطائفة العلوية ويعيشون تحت رحمة هذه الفصائل دون أن يفعل العالم أي شيء إزاء ما يحدث”.
اعتقالات بدافع السرقة
ويقول وائل شعبان، وهو طبيب مقيم في ألمانيا، لبي بي سي عربي، إن شقيقه اختطف ونجا من الموت بأعجوبة بعد أن سرقت كل الأموال التي كانت بحوزته.
ويشرح وائل تفاصيل ما حدث قائلاً: “جاء خمسة أشخاص إلى منزلنا في منطقة المهاجرين في حمص، حيث يسكن والداي وشقيقي أكرم الذي يدرس الهندسة ويعمل في شركة إنترنت في الوقت نفسه، قدموا أنفسهم على أنهم من هيئة تحرير الشام، ثم طلبوا منهم وضع كل الذهب والأموال التي بحوزتهم على الطاولة بذريعة تفتيش المنزل، ثم سألوا شقيقي عن مصدر الأموال، فجاوبهم أنها من إخوتي في أوروبا وأيضاً مدخراته من عمله الخاص”.
ويتابع وائل: “أخذوا الأموال التي كانت عبارة عن 150 مليون ليرة سورية، و 16 ألف دولار أمريكي و 500 يورو، بحجة توثيق المبلغ في الأمن العام على أنه ليس مزوراً، بل إنهم طلبوا من شقيقي مرافقتهم لاسترجاع المبلغ باليد، وبالطبع لم يتردد شقيقي وذهب معهم، ومروا بأربعة حواجز في منطقة المهاجرين وفي كل مرة كانوا يُسألون عن كلمة السر للتأكد من أنهم تابعون للهيئة والسماح لهم بالمرور”.
وبحسب وائل، “ما أن اجتازت السيارات الحاجز الرابع، حتى وضعوا عصابة على عيني أكرم واقتادوه إلى مكان مجهول، وطرحوه أرضاً، وشحن أحدهم السلاح لقتله وبدؤوا بالتكبير، وقالوا لأخي: انطق الشهادة (في إشارة إلى رغبته الأخيرة في نطق الشهادتين قبل الموت) توسل إليهم أكرم وقال لهم: خذوا كل الأموال فقط اتركوني حياً، وبعد مرور بعض الوقت، لم يقتلوه، وغادروا المكان دون أن يفكوا وثاقه أو يزيلوا العصابة عن عينيه، ثم بدأ أخي بالصراخ طلباً للمساعدة، حتى جاءه شابان كانا بالقرب من المكان وفكا وثاقه، عندها فقط علم شقيقي أنه كان قد اقتيد إلى منطقة باب هود في حمص، وذهب إلى قسم الشرطة لكنهم قالوا له إنهم لا يستطيعون مساعدته ما لم يتعرف على هوياتهم”.
عمليات انتقامية
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل العشرات نتيجة العمليات الانتقامية والتصفيات الميدانية منذ بداية العام الحالي على يد الفصائل المسلحة في محافظات حلب وحمص وحماه وريف دمشق وغيرها.
ويقول المرصد إن النصيب الأكبر كان لمدينة حمص التي قتل فيها 115 شخصاً، من ضمنهم 77 حالة بسبب انتماءاتهم الطائفية، تليها مدينة حماة التي سجل فيها المصدر 42 حالة لدوافع طائفية ، كما تحدث المرصد عما وصفها بعمليات انتقامية في محافظات أخرى، مضيفا أن الأرقام في ارتفاع مستمر.
ويقول العميد السوري، المنشق أحمد رحال، إن ما يحصل في حمص هو “جرائم طائفية وضد الإنسانية وأوروبا تشاهد وتدون ما يحدث”، محملاً الإدارة الجديدة مسؤولية “حرق الجثث وقتل الناس بدون محاكم”.
“المال مقابل الحرية”
تقول بيرين خليل (32 عاماً) التي تعيش في حلب، لبي بي سي عربي، إن والدها (68 عاماً) وصديقه (62 عاماً)، عادا إلى قريتهما في عفرين شمالي حلب، ليتفقدا منزليهما قبل اصطحاب أفراد أسرتيهما جميعاً. لكن عناصر من فصيلي “فرقة السلطان سليمان شاه” و “فرقة الحمزة”، التي تعرف اختصاراً من قبل سكان المنطقة بـ “الحمزات والعمشات”، احتجزتهما بعد أن عجزا عن دفع مبلغ 5000 دولار مقابل إطلاق سراحهما.
وينضوي الفصيلان ضمن تشكيل “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من أنقرة، وقد فرضت عليهما وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات وصنفتهما “جماعتين إرهابيتين لتورطهما في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين”.
وتقول بيرين: “هذه الفصائل تجبر المدنيين الذين تحتجزهم على دفع مبالغ طائلة مقابل إطلاق سراحهم، كما أن والدي وصديقه ليسا الوحيدين اللذين اعتقلا بدون توجيه أي تهمة إليهم، بل لا يزال هناك العشرات من معارفنا في السجون دون أي تهمة”.
روايات اخرى من عفرين
وتقول من جهتها آمنة حسين (55 عاماً)، وهي سيدة من عفرين، لبي بي سي عربي: “عندما سقط بشار الأسد، قررت أنا وزوجي العودة إلى القرية لإصلاح منزلنا قبل أن نصطحب عائلتنا المكونة من ثمانية أفراد”.
وتتابع آمنة: “لكننا فوجئنا عند وصولنا بطلب فصيلي الحمزات والعمشات، مبلغ 500 دولار مقابل السماح لنا بالدخول إلى منزلنا، بذريعة أنهم يحمون المنازل من السرقات!”
ويقول من جهته أحمد ابراهيم (43 عاماً)، الذي يقول إنه اقتيد إلى مركز احتجاز في عفرين دون توجيه أي تهمة إليه من قبل فصيلي “الحمزات والعمشات”: “استغل فصيلا الحمزات والعمشات الفراغ الأمني في منطقة الشهباء – شمالي حلب – بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على حلب، ودخلوا قرانا واعتقلوا ما يزيد عن 300 شاب، ثم أفرجوا عنا جميعاً لكن مقابل دفع مبالغ مالية تتراوح بين 1000و 3000 دولار للشخص الواحد، وإلا سنتعرض للاحتجاز مرة أخرى، واشترطوا علينا أن نقول لأي جهة إعلامية في حال تم سؤالنا، إننا نحن من دفعنا هذه المبالغ بإرداتنا كهدية بسبب الإفراج عنا”.
ويوضح إبراهيم: “حتى إنهم سرقوا البطاقات الشخصية لكثيرين من أبناء قريتي بما في ذلك هوية ابني البالغ من العمر 15 عاماً، لا أعلم ما حاجتهم إليها ولأي أغراض سيستخدمونها”.