آراء وتحليلات

النموذج السوري وحركات الإسلام السياسي في العالم العربي

محمد محمود بشار

يتقن السوري فن تجميل الواقع والهروب للحظة زمنية قصيرة من المآسي التي يعيشها، عبر التحدث لمؤسسة إعلامية أو في جلسة يخاف فيها من “الجدران التي تمتلك آذاناً”، فهو يعلم تماماً مدى الألم الذي تتسبّب به كلمة “لا”.

 فمن دفع ضريبة هذه الكلمة طيلة عقود من الزمن، من المعارضين لسياسات النظام الحاكم في حقبة حكم الأسدين، أصبح”عبرة لمن يعتبر” وهذه الفكرة أو الرسالة هي جوهر ما تريده أجهزة الأمن القمعية في أي بلد يقبع تحت حكم الدكتاتورية.

سوريا هذه الدولة التي كانت أصوات المعتقلين السياسيين يتم قمعها وعزلها تماماً عن الخارج، من خلال الزج بهم في المعتقلات، التي لم يكن يخرج منها سوى قصص الرعب والتعذيب، هي نفس الدولة التي أتقنت فن تفتيت الرأي العام المحلي وصناعة خطاب شعبي يتماشى مع خطابها الرسمي.

 فكانت المؤسسات الإعلامية الرسمية والمسيرات الشعبية والأنشطة الجماهيرية وحتى المؤسسات الحكومية كلها تجرّ المواطن السوري جرّاً نحو النطق بكلمات منمقة ومدروسة للغاية تقوم على تمجيد الحاكم ومناهضة الأعداء الخارجيين والداخليين والتركيز على ما تمت تسميته بـ “القضية المركزية” وهي القضية الفلسطينية، للهروب من مشاكل الداخل إلى ساحة خارج أسوار هذا الوطن، الذي لا حول له ولا قوة على تغيير مسارها.

الحاكم كان يدير الواقع مستفيداً من كل خيرات البلاد وتوزيع البعض منها على المحيطين به، بينما كان المواطن يعيش الواقع بكل كارثيته ومأساويته حاملاً بنفس الوقت شعارات تخدم قضايا عابرة للحدود.

ومن حكم قومي “عروبوي” امتد لأكثر من ستة عقود، دخل السوري تحت حكم ديني إسلامي يتبنى قادته إيديولوجية وشعارات عابرة للمكان والزمان.

يبدو إن السوري الذي كان دائماً يخشى من ضريبة كلمة “لا” المؤلمة، كان ومازال يدفع ضريبة كلمة “نعم” هذه الكلمة التي حولت الرأي العام السوري إلى عصا بيد الحاكم يلوّح بها في وجه من يراه كعدو للوطن، فكانت الضريبة أكبر بكثير، وكذلك كان القمع والاستبداد أشد وأكثر فتكاً.

–       من كابول إلى دمشق استراتيجية بايدن في “طلبنة” الحركات الإسلامية

كان صيف 2021 حارقاً بكل معنى الكملة بالنسبة لحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي فرّ من البلاد من دون أي مقاومة، ودخلت حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابول من دون اي مواجهة،وذلك في ظل حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أمر قوات بلاده بالانسحاب.

جاء الانسحاب الأمريكي في عهد بايدن، تتمة لتطبيق الاتفاقية التي تم إقرارها في الحقبة الأولى من رئاسة دونالد ترامب.

ذلك الاتفاق الذي تم بين ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية وممثلين عن حركة طالبان في شباط 2020 في العاصمة القطرية الدوحة أثناء حكم ترامب في حقبته الرئاسية الأولى.

وفي تبادل الأدوار بين الرئيسين الأمريكي الحالي والسابق، تشابه حال دمشق في ديسمبر 2024 مع حال كابول في أغسطس 2021، حيث دخل مقاتلو هيئة تحرير الشام إلى العاصمة السورية، من دون خوض معركة واحدة على أبواب دمشق السبعة، فكانت نفس الأبواب المفتوحة لخروج بشار الأسد، هي ذاتها مفتوحة للأمير أبو محمد الجولاني، ليدخل منها ولكن باسم (أحمد حسين الشرع) ولتبدأ عاصمة الياسمين رحلتها الجديدة مع حكم ديني إسلامي.

وكما فعلت طالبان بإخراج قادتها الفعليين من الظل والخفاء إلى العلن والوقوف أمام عدسات الإعلاميين، كذلك فعلت هيئة تحرير الشام، بل و زادت على طالبان، بأن قادة الهيئة ظهروا بالزي المدني العصري مرتديين أفخر أنواع البدلات الرسمية والساعات وأغلاها ثمناً.

وكما كانت الدوحة هي العاصمة الفعلية التي أخرجت طالبان من جبال تورا بورا وجعلتها تستلم مقاليد الحكم في كابول، كانت هي نفس العاصمة التي أخرجت هيئة تحرير الشام من إدلب وجعلتها تستلم الحكم في العاصمة السورية دمشق.

وكأن التجربة السورية اليوم، هي توأم التجربة الأفغانية قبل أربعة أعوام، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الفروقات الكامنة في نفوذ دول الجوار وخارطة السيطرة الداخلية.

–       من دمشق إلى عمان.. النموذج الملهم للحركات الجهادية

يبدو أن أقرب العواصم من ناحية التأثر بتجربة 8 ديسمبر الدمشقية كانت العاصمة الأردنية عمان، التي تحرّكت فيها مجموعة من تنظيم الإخوان المسلمين استعداداً لتنفيذ ما يشبه الانقلاب، إلا أن الأجهزة الأمنية الأردنية تمكنت من إيقاف أفراد هذه المجموعة قبل تنفيذ المخطط.

وبالنسبة لتنظيم كالإخوان المسلمين، وقدرته على التحرك وامتلاكه لإمكانيات مادية ضخمة وخبرات عسكرية وقاعدة شعبية، فمن دون شك بأن ما حصل في أواسط شهر نيسان الحالي، يمكن أن يتكرر كلما سنحت الفرصة، قد تكون المحاولة القادمة أيضاً في الأردن، وقد تكون في أي دولة أخرى إن كانت هناك ثغرات في الجدار الأمني، وليس من الضروري أن تتشابه أحوال العاصمة الجديدة المستهدفة مع أحوال العاصمة السورية دمشق بشكل تام، فهذا التنظيم الذي استلهم طموحاته الجديدة لاستلام السلطة من تجربة الجولاني لن يضجر من البحث عن الثغرات التي قد تجعله يتمكن من اختراق أسوار أي عاصمة في أي وقت.

زر الذهاب إلى الأعلى