تقارير

الوجود الأميركي في سوريا.. انسحاب تدريجي يثير مخاوف من فراغ إقليمي

روبين عمر – مجهر

في بيان صدر مؤخراً، أكدت وزارة الدفاع الأميركية خفض عدد قواتها في سوريا إلى أقل من 1000 جندي، مع إبقاء القدرة على تنفيذ ضربات جوية ودعم الشركاء المحليين.

وبينما وُصف القرار بـ”الخطوة التكتيكية”، إلا أن خبراء ومراقبين اعتبروا أنه يحمل مؤشرات على تراجع تدريجي عن سياسة الردع الإقليمي التي اعتمدتها واشنطن منذ تدخلها في الحرب ضد داعش عام 2014.

إيرينا تسوكرمان، المحامية والخبيرة في الأمن القومي الأميركي، رأت في حديث خاص لـ”مجهر” أن “هذا الخفض ليس مجرد خطوة تقنية بل انعكاس لتبدّل في الأولويات الاستراتيجية”.

وتتابع: “في ظل غياب إعلان واضح من البنتاغون، يبدو أن الولايات المتحدة تعتمد سياسة الغموض، لكن خصومها الإقليميين كإيران وروسيا قد يفسرونه كعلامة ضعف وفرصة لإعادة التموضع في المنطقة”.

الفراغ يولد تهديدات

تمثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الشريك الأساسي للتحالف الدولي ضد داعش، ويُنظر إلى أي تراجع في الدعم الأميركي لها كتهديد مباشر لاستقرار المنطقة.

سينم محمد، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” في واشنطن، حذرت من أن “عناصر داعش بدأوا فعلياً بإعادة تنظيم صفوفهم داخل السجون والمخيمات”، معتبرة أن “الوجود الأميركي لا يدعم فقط الأمن المحلي، بل هو أيضا جزء من شبكة الردع الإقليمي”.

من جانبه، قال بسام إسحق، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن، إن قرار الانسحاب لا يمكن فصله عن التحولات الكبرى في الداخل السوري، وخاصة سقوط النظام السابق وتشكيل حكومة انتقالية.

وأشار إلى أن واشنطن قد ترى في هذه المتغيرات فرصة لإعادة صياغة علاقتها مع الحكومة الجديدة، لكن شدد على أن “أي انسحاب قبل نضج ترتيبات الدمج السياسي والمؤسساتي سيهدد المكاسب المحققة”.

الانسحاب أداة ضغط أم مقامرة سياسية؟

بسام بربندي، دبلوماسي سوري سابق مقيم في واشنطن، أكد أن الانسحاب الأميركي “ليس مطلقاً بل مشروطاً بعدة عوامل”، منها:

ضمان عدم عودة تنظيم داعش

منع إيران من استغلال الساحة السورية

وضمان الحقوق السياسية للكرد والأقليات.

وأضاف: “الإدارة الأميركية تحاول تقديم هذا الانسحاب كنجاح منظم، بعكس ما جرى في أفغانستان، وهي تستخدمه كأداة ضغط لدفع الأطراف الإقليمية نحو تفاهمات جديدة تخدم مصالحها في سوريا”.

يتزامن هذا التوجه الأميركي مع تغيرات سياسية جذرية في سوريا، أبرزها تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع، بدعم دولي، وتزايد الانفتاح بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والسلطات الجديدة في دمشق.

“لكن بروز محور إقليمي تركي-قطري داعم للحكومة الانتقالية يثير مخاوف من عودة الإسلام السياسي، ويفاقم قلق شركاء واشنطن الإقليميين، خصوصاً الإمارات والسعودية، من انفلات توازن القوى على الأرض” وفقاً لإيرينا تسوكرمان.

ويرى المراقبون أن الانسحاب الأميركي من سوريا، وإن تم وصفه بـ”المنضبط”، يشكل اختباراً حقيقياً لقدرة واشنطن على الحفاظ على نفوذها دون وجود عسكري مباشر.

مشيرين أنه في النهاية، “لا يتوقف مستقبل سوريا فقط على انسحاب الجنود، بل على وجود رؤية استراتيجية أميركية واضحة تتوازن فيها المصالح الأمنية مع الالتزامات الأخلاقية تجاه الشركاء المحليين، والشعب السوري بشكل عام”. 

زر الذهاب إلى الأعلى