تقارير

رغم سقوط النظام.. لاجئون سوريون في الأردن مترددون في العودة إلى بلادهم

منذ سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تشهد البلاد حركة عودة متسارعة للاجئين السوريين من دول الجوار، وعلى رأسها الأردن. غير أن كثيراً من اللاجئين لا يزالون مترددين، ويرفضون العودة في الوقت الراهن، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن، وفقدان الممتلكات، وغياب الخدمات الأساسية.

“أحن لسوريا… لكن خليني هون أحسن”

ريهام، لاجئة سورية في الأردن تبلغ من العمر 39 عاماً، كانت تسكن في مخيم اليرموك قرب دمشق قبل أن تفر إلى الأردن عام 2013 بعد مقتل زوجها برصاص قناص. تقول ريهام:

“أحن لسوريا، لكن عندما أفكر في العواقب أقول لنفسي: خليني هون أحسن”.

ريهام، التي تقيم حالياً في مخيم الزعتري مع طفليها، لا ترى أي فرصة للعودة، وتقول إن بيتها دُمر بالكامل، ولا تملك المال لإعادة بنائه، كما أن منطقتها باتت مهجورة.

دمار المنازل وغياب الممتلكات

بحسب مسح أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في فبراير/شباط 2025، 66% من اللاجئين السوريين في الأردن يرون أن غياب المأوى والممتلكات يمنعهم من العودة خلال عام.

هذا هو حال رانيا الخالدي (45 عاماً) أيضاً، وهي لاجئة من مدينة حلب تقيم في عمّان منذ عام 2012، وتقول:

“بيتي ومشغل زوجي الخاص بالصابون في حلب مدمران بشكل كامل… لا شيء يشجعني على العودة”.

رانيا، التي تعيل عائلتها بعد وفاة زوجها، تواصل العمل في تصنيع الصابون وبيعه في الأردن. وهي ترى أن العودة في الوقت الحالي “غير منطقية”، خاصة وأن أقاربها في سوريا بين متوفٍ ومهجر.

الأطفال والتعليم: “أولادي لا يعرفون سوريا”

العامل العاطفي والعائلي لعب دوراً كبيراً أيضاً في تأجيل العودة، إذ تقول رانيا:

“أولادي متعلقون بالأردن، يدرسون هنا، وأصدقاؤهم هنا، وسوريا باتت مجرد ذكريات غامضة لهم”.

ريهام تشاركها الرأي، وتضيف أن أحد ولديها يدرس الأمن السيبراني في الجامعة، وهو تخصص غير متوفر في سوريا، مشيرة إلى تدهور قطاع التعليم هناك.

انهيار الخدمات الأساسية

يشير تقرير المفوضية إلى أن 41% من اللاجئين السوريين يعبرون عن مخاوف تتعلق بغياب الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء.

تقول ريهام إنها تتلقى يومياً اتصالات من معارف داخل سوريا يشتكون من انقطاعات طويلة للمياه والكهرباء، ما يعزز قناعتها بعدم العودة.

أحمد نعسان (55 عاماً)، فنان أرابيسك يقيم في عمّان منذ 2012، يوضح: “المستشفيات غير قادرة على تلبية أبسط الحاجات الطبية… أعاني من أمراض مزمنة، ولا أستطيع المخاطرة بصحتي”.

هواجس أمنية قائمة

أحد أهم أسباب التردد في العودة هو غياب الشعور بالأمان، حيث أبدى 51% من اللاجئين في المسح مخاوف من الوضع الأمني.

أحمد، الذي تعرّض بيته ومشغله في ريف دمشق للتدمير، يقول:

“لا أرى أن السلم الأهلي متحقق في منطقتي… هناك اغتيالات وتصفية حسابات لم تنتهِ”.

وتتفق ريهام معه، مضيفةً: “من يتجرأ على العودة يعاني من التهديد… حتى بعد سقوط النظام، الخوف لا يزال موجود”.

تحديات اقتصادية: “لا مكان للكماليات”

يمثل الواقع الاقتصادي المتدهور سبباً آخر لرفض العودة. أحمد، الذي يعمل في المشغولات الخشبية (الأرابيسك)، يوضح:

“مهنتي اليوم تُعتبر من الكماليات… الناس بالكاد يجدون خبزاً، فمن سيشتري الأرابيسك؟”.

ويعاني الاقتصاد السوري من آثار حرب طويلة، وتقدر الأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 400 مليار دولار. ومع ذلك، 36% من المشاركين في المسح رأوا أن الأوضاع الاقتصادية الحالية لا تسمح بالعودة.

المفوضية: العودة طوعية ولا ضغط على اللاجئين

ماريا ستافروبولو، ممثلة المفوضية في الأردن، شددت في تصريحها لـBBC على أن القرار يعود حصراً للاجئين، وأن المفوضية تقدم معلومات دقيقة وتسهيلات للراغبين بالعودة، مثل الفحوص الطبية، والاستشارات القانونية، وخدمات النقل المجاني.

وبحسب المفوضية، عاد 577,266 لاجئاً إلى سوريا منذ ديسمبر 2024، بينهم أكثر من 86 ألفاً من الأردن، مع توقعات بعودة 1.5 مليون لاجئ حتى نهاية عام 2025، منهم 200 ألف من الأردن.

الأردن: “دعم اللاجئين وتهيئة بيئة العودة”

أكدت السلطات الأردنية مراراً على أهمية دعم اللاجئين بالتوازي مع تهيئة البيئة المناسبة لعودتهم الطوعية. وأعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن عمّان تواصل التنسيق مع السلطات السورية الجديدة لضمان بيئة آمنة ومستقرة للعائدين.

لكن في الميدان، لا تزال أصوات التردد والحذر أقوى من موجة العودة، على الأقل بالنسبة للاجئين كريهام ورانيا وأحمد، الذين لا يرون في سوريا اليوم سوى بلدٍ بلا بيت، ولا أمان، ولا ضمانات حقيقية للمستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى