آراء وتحليلات

لماذا يفضل اللاجئون قوارب الموت على بلدانهم الغارقة في الأزمات؟ (5)

حسن حسن   

يعيش السوريون اليوم بين نار جحيم الحرب المستعرة منذ أكثر من عشر سنوات، وارتداداتها العنيفة، أو رحلة البحر وما خلفه من حلم الحياة الأوروبية، فأين المفرّ من جحيم المعيشة في سوريا الممزَّقة بالحرب والتدخلات الخارجية والإرهاب التكفيري والعقوبات الدولية؟

أمرٌ دفع بالكثيرين إلى تجهيز حقائب سفرهم أو “ضَبِّ الشَّناتي” تلك العِبارة الشّاميّة التي تردَّدت كثيراً بين أهالي البلد في حقبة الحرب، والحصار معاً.

كما وتسري في أرجاء الشّارع السُّوريّ حالة يأس ضربت أطنابها بقسوة، وزادت الحالة الاقتصادية الضاغطة المشهد سوداويةً وقتامةً، وتسللت خيبة أمل حول مستقبل البلاد ومصيرها المجهول، وبعد عشر سنوات من الصبر والمعاناة؛ مازالوا يفضلون ركوب قوارب الموت ليمخروا عباب البحار نحو ما يعتقدون أنها بلاد أحلامهم ومستقبل أولادهم.

آخر قوارب الموت

أفادت وسائل الإعلام بغرق مركبين يحملان لاجئين سوريين من مدينة “وهران” الجزائرية، يوم الثلاثاء الماضي، وذلك خلال توجُّههم من السواحل الجزائرية إلى إسبانيا، في حين ذكرت مصادر أخرى أن أحد المراكب غرق، أمّا الآخر فلا يزال مفقوداً، وبأن القاربين كانا في طريقهما من “وهران” إلى إسبانيا، وعلى متنهما /34/ لاجئاً سورياً معظمهم من مدينة كوباني.

نُقِلَ عن أحد اللاجئين السوريين الموجودين في مدينة “وهران” الجزائرية، أن أربعة قوارب توجهت، مساء يوم الإثنين من مدينة “وهران” الجزائرية باتجاه إسبانيا، غرق واحد منها، فيما وصل قاربان إلى إسبانيا، في حين ما يزال مصير أحد القوارب مجهولاً، وبأن القارب الذي غرق كان صغيراً ويحمل قرابة /15/ لاجئاً غرقوا جميعاً ومعظمهم سوريين، بينهم أربعة من مدينة كوباني.

مسارات وشبكات التهريب إلى أوروبا عبر الجزائر

رحلة الراغبين في الوصول إلى القارة الأوروبية، تبدأ بالحصول على تأشيرة نظامية إلى ليبيا، ومن هناك تبدأ مَهمَّة المهرّبين، ومعظمهم سوريون وجزائريون، للمضيِّ باللّاجئين إلى مدينة “وهران” الساحلية، عبر طرقٍ بريّة لا تخلو من المخاطرة.

وعند الوصول إلى مدينة “وهران” الجزائرية؛ يجمع المهربون اللاجئين داخل شقق سكنية، لحين موعد الإبحار عبر قوارب عبر البحر المتوسط إلى إسبانيا، ومنها إلى الدولة الأوروبية التي يرغب اللّاجئ اللجوء إليها.

تصل كلفة السفر، إلى نحو /10/ آلاف دولار أمريكيّ، في حال اختار اللاجئ السفر بقاربٍ سياحي آمن، أمّا إن رغب في دفع مبلغ أقل، فسيكون السفر عبر قوارب مطاطية، ويسلك السوريون طريق التهريب عبر الجزائر، لانخفاض تكاليفها، قياساً لطرقٍ أخرى ذات الخطورة الأكبر عبر غابات اليونان أو بلغاريا.

أكثر من 100 غريق وعشرات المفقودين في حادثة “مركب أرواد، طرطوس”

وفي 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، غرق مركب انطلق من شاطئ “المنيّة” في لبنان باتجاه أوروبا، يُقلّ حوالي  150 شخصاً من جنسيات مختلفة، معظمهم من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.

وبلغ عدد الضحايا ممَّن انتُشلت جثامينهم من البحر قبالة ساحل طرطوس /100/ شخص، بحسب آخر إحصاء رسمي، في حين استقرّ عدد الناجين عند /20/ شخصاً.

مؤخَّراً أصبحت السواحل اللبنانية مركزاً لانطلاق المهاجرين السوريين واللبنانيين نحو أوروبا مثل سواحل تركيا وليبيا والجزائر وهذا أمر مخيف، وهؤلاء اللاجئين يخاطرون بحياتهم؛ باحثين عن ملاذٍ آمنٍ، بعد حديث الحكومة اللبنانية عن إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا قسراً. ونتيجة لذلك؛ فقد الكثيرون منهم حياتهم في عُرضِ البحر بعد أن استغلَّهم تجّار الموت. وآخر حالات الغرق كانت غرق قارب طرطوس الذي انطلق من مدينة “طرابلس” متّجهاً للسواحل الإيطالية، حيث غرق قبالة جزيرة “أرواد” السورية، وقد حدثت حالات غرق مشابهة في السابق.

وأفادت تقارير صحفية بأن رئيس مجموعة المهربين بات في تركيا، بعدما تمكَّن من الهروب من لبنان محمّلاً بدولارات ركّاب الزورق الغارق، وكان قد نجح بتوصيل مجموعة أخرى من اللاجئين إلى الشواطئ الإيطالية قبل اسبوع من حدوث فاجعة “أرواد”، حيث فقد البعض منهم حياته غرقاً، ومجموعة أخرى من حوالي مائة لاجئ اعتقلتهم السلطات التركية قُبالة مدينة “أنطاليا” التركية، بعد أن رماهم المهربون في البحر، ومن ثم تم انتشالهم من قبل خفر السواحل التركية، وبعدها تم احتجازهم بمخيم “كلّس” تمهيداً لترحيلهم لسوريا ولبنان، مما دفع بالبعض منهم لإرسال نداءات استغاثة للمنظمات الإنسانية والحقوقية لإخراجهم من أماكن الحجز والتراجع عن ترحيلهم قسراً إلى بلادهم.

لماذا يُلقي اللاجئون بأنفسهم في التهلُكة؟

أحد المهاجرين السوريين من لبنان قال: “لو بقيت هنا.. مائة بالمائة سأموت، لكن لو هجرت عبر البحر هناك احتمال واحد بالمائة أن أنجوَ.. !!”.

يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل المسؤولية أمام ما يحدث، فموت المهاجرين، وخاصة الأطفال في عُرض البحار يجب أن يتوقف.

الناس تبحث عن ملاذٍ آمنٍ.. لكن المغامرة بالذهاب في عُرض البحار أمر خطير ويجب أن يتوقف؛ لأن هناك الآلاف يموتون في البحار.

ويضطَّرُ ركّاب زوارق الموت هذه لبيع ما يملكون من مجوهرات وسيارات وعقارات وأثاث منازل من أجل تغطية كلفة رحلتهم غير المضمونة عبر البحر.

روت أسرة سورية لاجئة كيف ألقت طفليها (طفل رضيع عمره /٩/ أشهر، وآخر عمره /٣/ سنوات) في البحر بعد أن فارقا الحياة، متأثرين بالبرد والمرض خلال رحلة هجرة غير نظامية بعد أن فقدوا الأمل بالنجاة، وظنوا أنهم يواجهون الموت إثر تعرضهم للخداع، بعدما دفعوا /20/ ألف يورو – استقرضوا المبلغ بالكامل – إذ كان من المفترض أن تكون الرحلة بالباخرة لا بقارب صغيرٍ خالٍ من أدنى مقوّمات السلامة.

وَدَعت الأم السورية كل شخص لديه عائلة ويسعى للهجرة غير الشرعية، أن يراجع قراره مراراً، حتى لا يتجرع ما ذاقته بفقدانها لأبنائها.

نجاةُ أسرة عفرينية من قارب طرطوس في آخر لحظة!

أحد اللاجئين الكرد من عفرين، واسمه (م. د)، أخبر أقاربه في منطقة الشهباء بأنه انسحب مع زوجته وأولاده من قارب طرطوس بآخر لحظة، بعد أن تنازل عن مبلغ عشرين ألف دولار كان قد دفعه للمهربين، وذلك بسبب تحميل القارب بأعداد مضاعفة والتهديد بقتله وأسرته إن لم يبحر. وكان (م. د) يسكن نازحاً في منطقة الشهباء شمالي حلب ويمتلك شبكة (واي في) لتوزيع الإنترنت في المنطقة، لكنه باع كل ما يملك من شقق سكنية في حلب وسيارات وشبكة الإنترنت ليهاجر إلى أوروبا عبر لبنان.

المهاجرون السوريون السابقون يشجعون أقاربهم على الالتحاق بهم وهم لا يفكرون بالعودة للجحيم مطلقاً

ثمة فريق سوري من النازحين يشجع أقرانه ومحيطه بالقدوم إلى دول الاغتراب، فضُعفُ عوامل الكسب المعيشي، وعدم الأمان والاستقرار، وعدم توافر المسكن اللائق، عوامل مجتمعةً لا تشجع عودة النازحين، بل تشكل دوافع لطلب عائلاتهم منهم اللحاق بهم.

كما أن المهاجرين لا يفكرون أبداً بالعودة، ما سيجهض كل الجهود الإعلامية التركية واللبنانية والسورية التي تروّج لفكرة عودة اللاجئين، بل إنها رسائل مصيرها الوأد، إذ إنَّ الغالبية العظمى من طالبي اللجوء لدى دول الاتحاد الأوروبي لا يعتزمون العودة لبلدهم، ولذلك فإن عودة المهاجرين السوريين إلى بلدهم غير واردة في الظروف الحالية.

وأشار موقع متخصص بتأشيرات “شينغن” الأوروبية في دراسة له، إلى موافقة عشرة سوريين فقط من أصل /77/ ألفاً يقيمون في هولندا على العودة إلى بلدهم.

يتبع…

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها..

زر الذهاب إلى الأعلى