تقارير

شهادات أطباء تراخيصٌ لمراكز تجميل في القامشلي

تتعدّد أسماء مراكز التجميل، دون وجود اختصاصاتٍ وصِفات بيّنة تفرّق بين أصحاب الشهادات الطبية، عن التدريبية التي حصلوا عليها خلال استئجار شهادات أطباء، أو التعاقد معهم لترخيص مراكزهم وسط مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا.

يبحث هذا التحقيق عن مراكز التجميل في مدينة القامشلي، بعد زيارات منصة “مجهر” لعدد منها ، تتوزع أغلبها في حي “الوسطى” بالمدينة، والذي يشهد نشاطاً ملحوظاً وكبيراً خلال السنوات الأخيرة، حيث ترتاد النساء تلك المراكز لإجراء عمليات تجميل في الوجه والجسم من خلال حقنات “بوتوكس/ شد الوجه عن طريق الحقن”، و”فيلر/ ملء الوجه وتكبير الشفاه”، وإزالة الشعر بالليزر، إضافة إلى تجميل الأنف من الانحرافات.

وجدنا داخل ثلاثة مراكز نسوة – كانت بعضهنَّ فتيات وأخريات سيدات بلغنَّ ما فوق سن الثلاثين – وهُنَّ ينتظرنّ دورهنّ في غرف استقبال ضيقة، بينما يتكون مركز آخر من غرف واسعة ومكتب استقبال وثلاث غرف أخرى، إحداها لإزالة الشعر بالليزر، وأخرى لتنظيف البشرة وعمليات الشد و”الفيلر”، وغرفة لزراعة الشعر، عبر استخدام أجهزة تم توريدها من إقليم كردستان، بحسب المشرفة على مركز (كـ) – اختصاراً للدلالة على اسم المركز- والتي فضلت مشرفتها عدم ذكر الاسم كاملاً.

وقالت المشرفة على المركز “كـ”، وهي صيدلانية من مدينة القامشلي، لمنصة “مجهر”، إن المركز مرخص منذ افتتاحه قبل /6/ أشهر، وتعاقد مع طبيب جلدية، هو الدكتور “كـ. ح”، ووفق شروط هيئة الصحة في الإدارة الذاتية.

وأضافت الصيدلانية في حديثها لـ “مجهر” أن تجهيز المركز مع الأجهزة الليزرية كلف نحو /90/ ألف دولار أمريكي، مشيرة إلى أن المركز ترتاده عشرات النساء يومياً لإجراء عمليات تنظيف وشد البشرة بالحقن والليزر، موضحة أن الجلسة الواحدة منها تكلف /50/ دولاراً وما فوق، وذلك حسب الجرعة وكميتها، فيما تكلف عملية زرع الشعر من /600/ دولار وما فوق، وذلك حسب الجلسات التي تستغرق نحو /12/ ساعة.

استئجار شهادات

حصل معد التحقيق، عبر مصادره، على عدة حالات تسببت بتشوهات وأخطاء في مراكز تجميل كان أصحابها قد خضعوا لتدريبات، أو حصلوا على عقود استئجار لشهادات أطباء جلدية في القامشلي.

وكشف معد التحقيق عن أوراق التراخيص لأحد مراكز التجميل في القامشلي، تم التعاقد – بموافقة هيئة الصحة بتاريخ 19 إبريل/ نيسان 2022 – مع طبيب جلدية، تأذن الموافقة للطبيب بالإشراف على المركز، بشرط أن يلتزم بكافة التعليمات الصادرة عن هيئة الصحة ونقابة الأطباء، ويتحمل كامل المسؤولية في حال مخالفته العقد المؤرخ المذكور أعلاه، والذي يحمل الرقم /182/ والمصادق عليه من ديوان هيئة الصحة في الجزيرة، وفق صورة من عقد إحدى المراكز حصلت عليها “مجهر”.

صورة من العقد المبرم بين طبيب جلدية وإحدى المراكز

وذهبت بعض المراكز في عملها إلى إجراء عمليات جراحية عبر شدّ (قصّ) الأجفان وشفط الشحوم داخل إحدى مشافي القامشلي، وبإشراف أخصائي تجميل الدكتور “و. ع” من الحسكة، وهو متعاقد مع إحدى المراكز في القامشلي، بحسب مشرفة المركز والتي أشارت إلى أن تكلفة عملية الشفط تتراوح ما بين /800/ و/1000/ دولار أمريكي.

صورة من عملية جراحية لشفط الشحوم

وتعد الجراحة التجميلية بشكل خاص، وإجراءات التجميل عموماً، من العمليات التي تجذب النساء للحفاظ على جمالهنَّ والعناية بالبشرة ولياقة الجسم، فيما يحذر أطباء من أن العمليات الجراحية دون إشراف مختصين قد تنتج عنها مشاكل عينية وأمراض قلبية وحتى حالات وفاة، وفق طبيب جلدية قابله معد التحقيق.

أخصائي أمراض جلدية في مدينة القامشلي، الدكتور “ج. ك”، فضل عدم ذكر اسمه الصريح والكامل، قال لـ منصة “مجهر”، إن إجراء عمليات جراحية دون إشراف طبيب مختص، قد تؤدي إلى مضاعفات وأمراض، وقد تتسبب بفشل كلوي وقصور في القلب، وبالتالي قد تتسبب بالوفاة في بعض الحالات.

وأشار إلى أن عمليات التجميل بالليزر غير مضرة بالصحة، لكنها قد تسبب بعض الحروق الجلدية الطفيفة في البشرة، فيما حذر من إجراء العمليات الجراحية في المراكز التجميلية.

وأكدت مصادر خاصة لمنصة “مجهر”، أن بعض المراكز في القامشلي، قد أغلقت في وقت سابق لعدم إشراف أطباء أخصائيين عليها، بينما استأنف عمل بعضها لاحقاً بعد التعاقد بمبلغ /200/ دولار أمريكي شهرياً، مع طبيب جلدية في نفس المدينة، إلى جانب استمرار مزاولته العمل في عيادته الخاصة.

وهو ما أكده طبيب جلدية في القامشلي، لمعد التحقيق، بتعاقده مع مركز تجميل بمبلغ /200/ دولار أمريكي شهرياً منذ شهر إبريل/ نيسان من العام الماضي، وذلك بعد إغلاق المركز بالشمع الأحمر لفترة قصيرة، لعدم الإيفاء بشروط هيئة الصحة بضرورة إشراف طبيب يتحمل المسؤولية الطبية والقانونية أمام المحاكم، للنظر في الشكاوى والدعاوى المقامة ضد مراكز التجميل.

كما تأكد معد التحقيق من طبيب جلدية آخر، وهو الدكتور “ط. ع”، عن تعاقده مع مركز تجميل بالليزر في القامشلي، لكنه لم يفصح عن نسبته المادية التي يحصل عليها وقيمة العقد مع المركز، مشيراً إلى أن القيمة متعلقة بحجم العمل، دون أن يدلي بتفاصيل أخرى.

وكشفت مصادر عدة لـ “مجهر” عن إدارة أحد المسؤولين في هيئة الصحة لمركز تجميل، فيما يعمل أحد المراكز في القامشلي منذ ست سنوات دون الحصول على ترخيص، حسبما أفاد مشرف مركز ” قـ ” للتجميل بالليزر.

مشرف المركز ” قـ “، الذي فضل هو الآخر عدم ذكر اسم مركزه الكامل، عرّف نفسه بأن “خبير تجميل”، وقال إنه “حصل على شهادة بعد خضوعه لدورة تدريبية دامت شهرين من أحد مراكز الحرفيين بمدينة حمص”، ويشرف مع طبيب أسنان منذ سنوات على المركز، مضيفاً: “منذ بدء العمل؛ كانت التراخيص من البلدية، وفيما بعد طالبت هيئة الصحة بضرورة إشراف طبيب جلدية أو أخصائي تجميل”.

وأشار إلى أنه لم يتعاقد معهم أي من الأطباء الذين حاولوا إغلاق المركز، مشيراً إلى أنه “بقي المركز مفتوحاً بموافقة هيئة الصحة إلى أن تمكنا من “ترتيب أمورنا“، وبعد ست سنوات من العمل، يعمل المركز للحصول على ترخيص من هيئة الصحة بعد التعاقد مع طبيب أخصائي تجميل”، على حد قوله.

تشوهات وأخطاء

حصل معد التحقيق على عدة صور وفيديوهات لعدة حالات أدت إلى تشوهات في الوجه والشفاه ومشاكل في العين، نتيجة أخطاء طبية أثناء عمليات قص الأجفان. ويظهر فيديو مصور، حصل عليه معد التحقيق، لعملية جراحية في العين في مركز تجميل بمدينة القامشلي تم استخراج خيط من الجفن بعد نسيانه فيه أثناء العملية.

فيما تظهر صور أخرى حصلت عليها “مجهر” من مصادرها لتشوهات في الشفاه لدى فتاة في العشرين من عمرها، نتيجة خطأ بحقن مواد مجهولة، على أنها مواد “فيلر” دائمة، وفق المصدر.

صورة- حقن الشفاه بمواد “مجهولة”

وتحدث هذه التشوهات في ظل غياب طبيب مشرف أثناء إجراء العمليات الجراحية، التي من المفترض ألا تتم حتى في العيادات الطبية، بل في المشافي، وتحت إشراف عدد من الأطباء المختصين ومساعدين له، بحسب الدكتورة الصيدلانية “إقبال الصالح”، والتي كانت تشغل سابقاً منصب الرئيسة المشتركة لهيئة الصحة في الجزيرة، شمال شرقي سوريا.

وقالت الصيدلانية “إقبال”، وهي مشرفة أيضاً على مركز للتجميل “بيوتي سنتر” في القامشلي، خلال حديثها لمنصة “مجهر”، إنه لا ينبغي إجراء أي عملية في المراكز ولا في العيادات، بل يجب إجراءها في المشافي فقط، حرصاً على حياة الشخص الخاضع للعملية، والتي قد تحدث فيها أخطاء طبية وحالات نزف، وكذلك حفاظاً على العامل الزمني أثناء نقل المصاب بحالات مرضية مفاجئة خلال العمل الجراحي.

ودعت الصيدلانية إلى ضرورة التمييز والتوضيح بين العمل المهني الطبي التخصصي في مجال التجميل، وبين العمل العادي، مشيرة إلى أن انتشار المراكز، دون إشراف مختص ذو صلة بالعمل الطبي (أطباء بشريين وأسنان وصيادلة)، يعتبر مخلاً بالعمل المهني ومضيعة لسنوات الدراسة التخصصية في السلك الطبي، على حد تعبيرها.

بينما يرى مختصون عكس ذلك أيضاً، وأن لا علاقة لطبيب الأسنان أو الصيدلي أو الممرض بالإشراف على هذه المراكز، وأن الهدف منها فقط “ربحي”، حيث هناك مراكز متعاقدة مع أطباء أسنان، وأخرى مع ممرضات وفنيات أشعة، وبعضها يشرف عليها صاحب شهادة تدريبية حصل عليها بعد تلقي التدريب لبضعة أشهر.

مخاطر الجراحة

يوجد في مدينة القامشلي ثلاثة أطباء أخصائيين بالجراحة التجميلية، التقى معد التحقيق مع اثنين منهم، حيث يرى أحدهما، وهو حديث الخبرة، وفضل عدم ذكر اسمه، أن مخاطر التجميل تكمن في غياب الوعي لدى الناس في نوعية المواد الكيميائية المستخدمة، والتي قد تؤدي إلى حالات تصيب العين بشلل مؤقت، خاصة في حالات الحقن بـ”البوتوكس” في منطقة العين.

وأشار إلى أن هناك مخاطر ناتجة عن عمليات “الفيلر” أيضاً، وقد تؤدي إلى نخر في الوجه، ويمكن أن تتسبب عمليات “البوتوكس” أحياناً في مشاكل عينية قد تؤدي في بعض الحالات إلى العمى، وذلك بحسب الجرعات المستخدمة، مبيناً أن “البوتوكس”، وهي بودرة تحوي على /100/ وحدة، تكلف /40/ دولاراً أمريكياً وما فوق، بينما استخدام كل واحد ميليمتر من “الفيلر” يكلف ما فوق الـ/70/ دولاراً أمريكياً.

ونوه بأنه في قانون وزارة الصحة السورية “لا ينبغي لأي طبيب العمل في عيادته عند التعاقد أو تأجير شهادته لجهة ما”.

فيما يرى الطبيب الآخر، وهو الدكتور “شيرزاد يوسف”، أخصائي بالجراحة التجميلية والترميمية والحروق، أنه لا يجوز لأي شخص كان أو حتى طبيب صاحب شهادة، مزاولة مهنة اختصاص غير اختصاصه، مشيراً إلى أن التعاقد بين طبيب ومركز تجميل، يفرض على الطبيب الإشراف الدائم على الإجراءات التي تُجرى في المركز، والتدخل في الوقت المناسب في الحالات التي قد تحدث نتيجة الأخطاء أو حالات الاختلاط.

وأشار هو الآخر بالقول إنه في القانون السوري الخاص بوزارة الصحة، “ينبغي على الطبيب المتعاقد مع مركز أو مرخص باسمه مركز ما، الإشراف عليه بشكل مباشر في ساعات العمل”.

كما أوضح طبيب التجميل في القامشلي، أن أي خطأ ولو بسيط؛ قد يجلب للمريض نتائج عكسية لا تحمد عقباها، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى فقدان المريض لحياته، كما في حالة وفاة حصلت مؤخراً في إحدى مشافي العاصمة السورية دمشق.

وقبل أيام سُجلت في إحدى مشافي دمشق، حالة وفاة لسيدة تبلغ من العمر نحو /38/ عاماً، بعد إجراء عملية شفط للشحوم، بإشراف أخصائي تجميل، ولم يعرف بعد السبب الرئيسي للوفاة، لكن يرجح أن يكون السبب إجراء عملية شفط كمية زائدة من الشحوم أكثر من الحد المطلوب.

ولم تسجل مدينة القامشلي حالات وفاة معلنة رسمياً بمراكز التجميل حتى الآن، فيما تعود حالات سابقة حصلت في عيادات أخصائيي التجميل وأطباء الجلدية في القامشلي، بسبب أخطاء أو اختلاطات في إجراء حقنات “البوتوكس” ومواد “الفيلر”.

كما أشارت مصادر متقاطعة مع مصادر أخرى في مجلس العدالة الاجتماعية بمحكمة القامشلي التابعة للإدارة الذاتية، إلى ورود دعاوى، لم يتسنَّ معرفة عددها، إلا أنه تم ذكر بعض الدعاوى التي تضمنت بعضها عدم وجود التراخيص، وحالة أخرى أدت إلى الإصابة بالشلل، وفقاً للمصادر.

شروط الترخيص

نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الصحة في الجزيرة، “هدية عبد الله”، قالت في تسجيل صوتي لمنصة “مجهر”، إن هناك ثمانية مراكز تجميل في الجزيرة، /6/ منها في القامشلي، وهي مرخصة وفق عقود لأصحاب المراكز مع أطباء جلدية أو جراحة تجميلية فقط، وبموافقة اتحاد الأطباء.

وأضافت مسؤولة “هيئة الصحة” أنه يتم سحب الترخيص في حال لم يكن المركز تحت إشراف طبيب مختص، مبينة أن العقود تتم بين الإدارة الفنية والطبيب، ليتحمل الطبيب المشرف المسؤولية القانونية في حالات وقوع الأخطاء الطبية، على حد تعبيرها.

وأضافت “عبدالله” أنه “منذ بداية فتح المراكز في المنطقة، دققت الهيئة في تراخيص مراكز التجميل، واشترطت أن تكون تحت إشراف الأطباء المختصين”، وأشارت إلى أن العمليات الجراحية ممنوعة في العيادات والمراكز حتى في الحالات العادية أيضاً، وذلك “لأن العمليات الجراحية لها شروطها الخاصة، منها توفير غرف مخصصة لها، وأن تلتزم بمعايير التعقيم اللازمة، وفي حال حدوث أي اختلاط في العملية، يكون المريض في المشفى، حيث تتوفر فيه جميع الإمكانات والإجراءات اللازمة”.

كما نوهت مسؤولة الصحة إلى أن لجان المتابعة والرقابة في هيئة الصحة تكشف على مراكز التجميل بشكل دوري، وفي حال غياب الطبيب المشرف يتم إغلاق المركز، وذلك بعد إنذارين لمدة خمسة عشر يوماً، فيما يتم تجديد العقد سنوياً برسوم تسجيل تبلغ /75/ ألف ليرة سورية، بعد الكشف على أوراق العقد والتأكد من إقامة الطبيب المشرف، إن كان مقيماً هنا أو مسافراً، على حد قولها.

ورغم عدم توفر جامعات وكليات خاصة بالتجميل في سوريا، إلا أن أخصائي التجميل الدكتور، “شيرزاد يوسف”، كشف بأنه يوجد على مستوى سوريا، نحو /200/ طبيب أخصائي بالتجميل، حصلوا على شهادات تخصصية بالجراحة التجميلية والترميمية بعد ست سنوات من التعليم ما بعد مرحلة اجتياز شهادة الطب العام، أي بعد نحو /12/ عاماً من التعليم في المجال الطبي.

وبعد ذكر كل تلك الشواهد، وتحفظ بعض المراكز والأطباء على ذكر أسمائهم، لا يوجد حتى الآن قانون خاص في مناطق الإدارة الذاتية يبين آلية عمل مراكز التجميل والعقبات المترتبة عن الإجراءات الخاطئة أو الاختلاطات الواردة فيها، وسط غياب الالتزام التام بشروط الترخيص وغياب الأطباء عن الإشراف الدائم في مراقبة تلك العمليات التي تجرى في مراكز التجميل، تبقى شروط الترخيص دون جدوى وفق ما تبين من هذا التحقيق الذي كشف مراكز غير مرخصة وأخرى لا يشرف عليها أطباء رغم العقود المبرمة برعاية هيئة الصحة في الإدارة الذاتية.

إعداد: خلف معو (برور ميدي) – مجهر

زر الذهاب إلى الأعلى