تقارير

حرمان النساء من الميراث.. عادات تفرض سطوتها في إدلب

تتعرض نساء في إدلب للظلم والحرمان من حق الميراث، بسبب ما وصفه الكثير من النساء اللواتي التقت بهم مراسلة “مجهر” بـ “الثقافة الذكورية السائدة”، إلى جانب جهل بعض النساء بحقوقهن وعدم المطالبة بها، أو الحياء وعدم الرغبة بالخروج على العادات والتقاليد الاجتماعية.

“نعيمة البكور/ 23 عاماً” من قرية “حتّان” بريف إدلب الشمالي، لم تحصل على حصتها من تَرِكَةِ والدها رغم فقرها وحاجتها للمال. ورغم الظلم الذي وقع عليها؛ امتنعت عن المطالبة ﺑﺤﻘﻬﺎ، خوفاً من تهدﻳﺪ أخيها بمقاطعتها إن فعلت ذلك.

تقول نعيمة لـ”مجهر”، “بعد وفاة والديَّ أردت أن أحصل على حصتي من الميراث لتحسين وضعي المعيشي، لكن أخي اعتبر نفسه الأحق بأموال العائلة، بحجة أنه يريد الحفاظ على ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺭﺍﺕ، دون أن ﺗﺬﻫﺐ للغرباء ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻮﺭﻳﺚ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ”. 

تبيّن “البكور” أنها أرادت أن ترفع دعوى قضائية في المحاكم الشرعية، لكن خوفها من العزلة الاجتماعية والعداوة وخسارة رابط الأخوة، جعلها تتراجع عن قرارها.

وتشير “البكور” أن أخاها أعطاها بعد تدخل بعض الأقارب مبلغاً من المال لا يعادل ربع حقها، مقابل تفرّده بالعديد من الأراضي والعقارات. 

وتضطر كثير من النساء إلى التزام الصمت والتخلي عن حقوقهن في الميراث نتيجة طول أمد الدعاوى القضائية في المحاكم.

“فاطمة الحردان/ 41 عاماً”، من مدينة “حارم”، تخلَّت عن الدعوى القضائية التي رفعتها ضد أخوتها الذكور، وعن ذلك تقول: “طالبت أخوتي بحقي في المنزل والبستان اللذين تركهما والدي، لكنهم امتنعوا عن الدفع، وعرضوا عليَّ مبلغاً زهيداً مقابل التخلي عن حقوقي، فلجأت إلى المحكمة الشرعية، وهناك بدؤوا بالمماطلة والتخلف عن حضور جلسات المحكمة، وبعد أكثر من عام من التردد على المحاكم وتقديم إثباتات وحضور جلسات وإجراءات معقدة ومملة، لم أتمكّن من المتابعة، مما أجبرني على الإذعان لأخوتي، والقبول بالحد الأدنى من حقي”.

ويلجأ بعض الآباء للتحايل، والضغط ﻟﻤﻨﻊ ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺮﺍﺙ، كنقل ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﻢ إلى أبنائهم الذكور، أو قيام الأبناء بتزوير ﻣﺴﺘﻨﺪات تثبت عمليات ﺍلبيع والشراء.

“غادة السعيد/ 30 عاماً”، من مدينة “الدانا”، شمالي إدلب، حُرمت من الميراث من خلال التلاعب بأوراق البيع والشراء، مما شكل صدمة كبيرة في حياتها، وفقاً لوصفها.

وتقول لمنصة “مجهر”: “بعد وفاة والدي؛ أبرز إخوتي الذكور أوراقاً تثبت تنازل والدنا عن كل أملاكه لأبنائه الذكور، وحرمان البنات من الإرث”.

تشير “السعيد” أنها تفاجأت بهذه الأوراق التي لم ترها أو تسمع عنها من قبل، مؤكدة أنها لن تسامح كل من ساهم في حرمانها من حقها. 

من جانبه يتحدث المحامي “كمال السلوم/ 41 عاماً”،وهو من مدينة إدلب، عن حق المرأة في الميراث بقوله: “تتكرر في إدلب قضايا حرمان النساء من الميراث، بسبب تحكم عادات وتقاليد تَمنع ﺗﻮﺭﻳﺚ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ بحجة الخوف من ﺍﺳﺘﻴﻼﺀ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ المال، وتتردد الكثيرات من النسوة للمطالبة بحقوقهن، في ظل تسلط المجتمع الذكوري، وفقدان الترابط الأسري”. 

ويؤكد “السلوم” أن الاعتداء على ميراث المرأة قد يتم عن طريق الخداع بمبلغ مالي وهي ما يسمى “بالترضية”، وهذا شائع جداً في الآونة الأخيرة، وفي هذا النوع يعطون المرأة مبلغاً زهيداً أو قطعة أرض قليلة الثمن لا تساوي حقها في الميراث، ويُطلب منها التنازل مقابل هذا المبلغ الزهيد الذي هو في حقيقته لا يمثل ميراثها، مؤكداً أن حقوﻕ النساء في ﺍﻟﻤﻴﺮﺍﺙ مقررة في الشرع والقانون، ﻭﻻ يجوز ﻟﻠﺬﻛﻮﺭ التحايل عليها، حيث يحق للوﺭﻳﺜﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺼﺘﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ عليها والتصرف بها ﺩﻭﻥ أي ضغوطات. 

ويشير “السلوم” إلى أن نسبة قليلة من مشكلات الحرمان من الميراث تصل إلى المحاكم، بسبب عدم وعي النساء بحقوقهن، وغياب الرادع الديني والأخلاقي في بعض الحالات، كما تلعب البيئة دوراً كبيراً في الالتزام بالقوانين أو الخضوع للعادات والموروثات الخاطئة، أو لعجز النساء عن دفع تكاليف المطالبة ورسوم ومصاريف وأتعاب المحامين. 

ويبيّن “السلوم” ﺃﻥ الذكور يستغلون العُرف المجتمعي لتهميش دور المرأة وحرمانها من الميراث، رغم أن القانون السوري يتضمن الكثير من المواد التي تؤكد حق المرأة في الميراث، وشدَّدَ على ضرورة تعزيز ثقة النساء بأنفسهن ورفضهن الخضوع للأعراف التي تحرمهن من حقهن الشرعي والقانوني، فضلاً عن تجريم حرمان المرأة من الميراث، وفرض عقوبة رادعة لمن يقوم بهذا الجرم، إضافة إلى إيجاد قانون ملزم لحصر أموال التَرِكَة وتوزيعها ضمن فترة زمنية محددة.

ولا يزال سيف العُرف المجتمعي مسلّطاً على أعناق النساء في إدلب، ويُمعِنُ في ظلمهن وحرمانهن من حقوقهن المشروعة، ومنها حق الميراث، لتجد الكثيرات أنفسهن أمام ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ ﻭنشوء العداوة والقطيعة ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، أو ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺣﻘﻬﻦ ليكُنَّ ضحية للاستغلال من قبل أقرب الناس إليهن.

إعداد: مريم الغريب

زر الذهاب إلى الأعلى