تقارير

نهب الآثار السورية: من تدمر إلى فيسبوك

تفاقمت ظاهرة نهب وتهريب الآثار في سوريا بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب، وازداد الأمر سوءًا بعد سقوط نظام بشار الأسد. فقد أسهم تدهور الوضع الأمني وتفشي الفقر في إشعال موجة غير مسبوقة من الاعتداءات على التراث الأثري، خصوصًا في مدينة تدمر، إحدى أبرز المدن التاريخية في المنطقة.

تدمر تحت الهجوم: سرقة تحت جنح الظلام

بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، تنشط عصابات مسلحة بالمعاول والمجارف في نبش القبور القديمة التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، وذلك خلال ساعات الليل.

عمليات النبش هذه لا تقتصر على السرقة فحسب، بل تؤدي إلى تدمير الطبقات الأثرية وتشوّه السياق التاريخي، مما يعقد بشكل كبير مهام علماء الآثار في المستقبل.

كما يلفت التقرير إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بتدمر خلال فترة سيطرة تنظيم داعش، الذي فجّر أجزاء من الموقع، واعتبر الآثار فيه “أصنامًا مرتدة”.

تصاعد أعمال النهب بعد سقوط النظام

يشير التقرير إلى أن انهيار أجهزة الأمن التي كانت تُرهب السكان، بالإضافة إلى انتشار الفقر، أديا إلى اندفاع الكثيرين نحو التنقيب غير الشرعي بحثًا عن الكنوز الأثرية.

ووفقًا لبيانات صادرة عن مشروع ATHAR المعني بتوثيق الاتجار غير المشروع بالآثار، فإن ثلث حالات النهب الموثقة في سوريا منذ عام 2012 حدثت فقط خلال الأشهر التي تلت سقوط النظام.

التهريب الرقمي: فيسبوك كسوق سوداء للآثار

يوضح التقرير أن المنصات الرقمية، وعلى رأسها فيسبوك، أصبحت مركزًا نشطًا لتجارة الآثار المنهوبة. حيث تُعرض العملات القديمة، والفسيفساء، والتماثيل ضمن مجموعات عامة وخاصة، ويجري البيع والتفاوض بشكل مباشر.

في بعض الحالات، يُبث المحتوى مباشرة من مواقع النبش، حيث يطلب الناهبون نصائح من المتابعين حول أماكن الحفر المحتملة.

ورغم إعلان شركة “فيسبوك” حظر بيع الآثار عام 2020، يؤكد التقرير أن تطبيق هذا الحظر غير فعّال، إذ لا تزال المجموعات النشطة تُزاول عملها بشكل علني.

سلسلة التهريب: من تحت الأرض إلى دور المزادات

بحسب التقرير، يتم استخراج العديد من القطع الأثرية من قبل متخصصين محترفين، لتُنقل لاحقًا إلى تركيا أو الأردن، ومنها إلى الأسواق العالمية.

تُزوّر الوثائق والفواتير الخاصة بهذه القطع، لتُعرض لاحقًا في مزادات شرعية، غالبًا بعد مرور 10 إلى 15 عامًا، حيث تُشترى من قِبل هواة جمع التحف والمتاحف في أوروبا والولايات المتحدة.

الردع الحكومي: عقوبات محدودة وموارد شحيحة

يشير التقرير إلى أن الحكومة السورية الحالية تبذل محاولات محدودة للحد من الظاهرة، حيث تعرض مكافآت لمن يُسلم الآثار المنهوبة، وتفرض عقوبات بالسجن قد تصل إلى 15 عامًا.

لكن هذه الإجراءات تعاني من ضعف التنفيذ نتيجة نقص الموارد والانشغال بإعادة الإعمار.

في المقابل، تنتشر في الأسواق أجهزة كشف المعادن التي يستخدمها أفراد محليون، بدافع الحاجة والربح السريع، في عمليات تنقيب غير قانونية.

الوعي المحلي

في ظل غياب فعّال للمؤسسات الرسمية، يتولى بعض السكان المحليين حماية مواقعهم الأثرية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك محمد الفارس، أحد سكان تدمر، الذي عاد إلى مدينته بعد النزوح، ويقوم ليلاً بدور الحارس في مواجهة النهب المستمر، دفاعًا عن بقايا تاريخ تعرض للتدمير خلال خمسة عشر عامًا من الحرب والفوضى.

زر الذهاب إلى الأعلى